كانت النجمة المصرية شيرين عبدالوهاب تعلم قبل وصولها إلى لبنان، أنّها ستغنّي على واحد من أعرق المسارح على الإطلاق، على معبد قلعة بعلبك الأثرية ضمن مهرجانات بعلبك الدولية، حيث لم تقف فنانة لبنانية ما عدا الست فيروز والسيدة صباح، ولم تقف فنانة عربية سوى الست أم كلثوم والسيدة ميادة الحناوي والسيدة وردة، لذا تأهبت وتحضّرت كما لم تفعل قبل أي حفل تُحييه، فحملت إحساسها وأرشيفها وأغنيات اختارتها من المكتبة الطربية، ودخلت صرح بعلبك لتغنّي أمام ما يفوق الـ٦٠٠٠ متفرّج من مختلف أنحاء لبنان، حضروا ليستمتعوا بحضور وأداء صوت مصر وصوت العالم العربي شيرين عبدالوهاب.
هذه الصبية السمراء، من النيل وصلت، حاملة كل أصالة تاريخها إلى مدينة الشمس. كانت شيرين كما لم نرها مرّة ترقص وتغنّي وتتجوّل على المسرح من أقصاه إلى أقصاه، لتردّد بين أغنية وأخرى: «الله على أهل بعلبك، الله على أهل لبنان، واللهي إنتوا يلبقلكوا تعيشوا وتفرحوا».
شيرين غنّت من قديمها وجديدها، غنّت الرومانسي والشعبي والطربي والكلاسيكي، كما غنّت للسيدة فيروز، ولأم كلثوم وللصبوحة ولوردة الجزائرية ولشادية، كلّه وسط تصفيق حار لم يهدأ لجمهور غصّت به المدرّجات، بشباب وصبايا، من مختلف الأعمار ردّدوا بصوت واحد كلمات أغنياتها، فكانت تسكت لتسمع صوت الجمهور يغنّي أكثر مما تفعل، فتضحك وتدخل «موداً» من «الهيبرة» والـPositive Energy.
لا يُمكن أن نتحدّث عن صوت شيرين، وطاقاتها وإحساسها الذي يُغرق الناس في حالة من النشوة النادرة، فقد أبدعت في بعلبك غناءاً وإحساساً وتعريباً ورومانسيّة وفرحاً وحزناً، وكانت كتلة من نور ونار على مسرح عريض، فملأته كما ملأ فيها طاقة من الفرح و«السلطنة».
جرسيات:
– بدأت شيرين الحفل بأغنياتها القديمة (إيه يعني)، (إيه إيه)، (آه يا ليل)، لتنتقل بعدها لتقدّم (مشاعر) وسط تصفيق الجمهور وتمايلهم على أنغام أوركسترا رافقت شيرين، بأعلى التقنيات وأفخمها.
– بين الأغنيات الأولى، حاولت شيرين أن تُدندن بعض الميجانا والعتابا، لكنّها لم تسترسل في أدائها، فدخلت في أغنيات لها منها (كتير بنعشق)، لتصرخ للناس ممازحة: «أنا لما أمشي من هنا، عاوزة تقدّمولي خاروف، يا ربي بس ما نتقوّص» (قالتها باللهجة اللبنانية وضحكت كثيراً) ليضحك معها الجمهور ويحدث جو من الغبطة.
– خلال الحفل، استدارت شيرين تبحث عن كلمات أغنية، وكأنّها تاهت منها، فاستدارت وقالت لأحد أعضاء فرقتها الموسيقية: «هو انت ما كتبتوش الأغنية»؟ فسارع إلى الداخل وعاد بورقة، وفجأة بدأت تغنّي (بحبك يا لبنان) للسيدة فيروز لينتاب الحضور حالة من الهستيريا والتصفيق والصراخ والتهييص، كما لم يحصل مرّة في مهرجان. غنّت شيرين من الأغنية قسماً جيداً، ثم نظرت إلى الجمهور وقالت: «هو انا نسيت كلمتين ولا حاجة؟ واللهِ مش الحق عليا، هما مش كاتبينها كلها».
– خلال السهرة، نادت شيرين الأستاذ شادي عياش، منظم المهرجان بشقهِ العربي، وطلبت منه أن يشاركها الدبكة اللبنانية، فكانت رقصة سريعة عفوية جداً، حاولت فيها شيرين أن توحي لنا بأنّها تتقن رقص الدبكة وعلى أصولها بفستانها الغريب والجميل في آن، وتسريحة شعرها التي جعلتها تبدو إسبانية، خصوصاً أنّ اللوك يُشبه لوك راقصات الفلامنكو.
– بين أغنية وأخرى، كانت شيرين تتصوّر مع الأطفال الذين أحاطوا بالمسرح، أو تطلب ورداً، وتقبله وترميه على الناس مرددة: «إنتوا واللهي أحلى جمهور، يا أهل بعلبك، يا ناس يا طيبين، يا رجالة، ويا نسوان، يا بنات البيوت».
– خلال توزيعها للورد، نادت مستشارها السيد ياسرخليل وأهدته وردة حمراء، بعدها نادت شادي أيضاً وأهدته وردة، لتختتم قائلة: «والوردة دي للسيد علي المولى الرائع اللي موجود معايا كمان النهاردة».
– قبل أن تختتم حفلها قالت شيرين كلاماً مؤثراً، منه: «أنا وقفت على مسارح كتيرة، بس يشهد عليّ ربنا، دا أجمل مسرح وقفت عليه في حياتي، وإنتوا أجمل جمهور غنيت ليه في حياتي».
– شكرت شيرين الجيش اللبناني وحيّته، وتوجهت لعناصر الجيش الذين توزعوا حول المسرح لحماية المكان: «انتوا عسل، ربنا يديكوا الصحة والقوة».
– أخبار كثيرة وتفاصيل وصور سننشرها مع التفاصيل والصور الحصرية من الكواليس.. لذا تابعونا.
تصوير: عباس مزهر