منذ 8 سنوات 
عندما رفض إبليس السجود لسيدنا آدم عليه السلام و”وسوس” له بسماع كلام حواء، أكل التفاحة من الشجرة المحرمة التي تسببت بخروجهما من الجنة، ونحن نحاول جاهدين السيطرة على أنفسنا وعدم الانسياق وراء الشيطان الذي يملأ عقولنا بأفكاره الخبيثة.
إن صراع الخير والشر الذي نعيشه في كل تفاصيل حياتنا، جُسِد ببراعة تامة في مسلسل (ونوس) الذي عُرض في الشهر الفضيل. فقدم بطلا العمل النجم يحيى الفخراني الذي ظهر بدور “إبليس” والفنان نبيل الحلفاوي الذي جسد دور “آدم” ملحمة إنسانية تتناول الصراع الأزلي بين الشيطان الذي يريد إغواء آدم بشتى الطرق، ومحاولات آدم المستميتة بالتقرب من الله وعدم الانسياق وراء الأخطاء والمعاصي التي تُخلق من فعل الشيطان الوسواس الذي يؤذي الإنسان ويسعى لخسارته نعيم الآخرة التي وعدنا الله بها.
استطاع المؤلف (عبدالرحيم كمال) تجسيد صورة الشيطان بعينه على هيئة إنسان موضحاً خططه للايقاع به، حيث تدور قصة المسلسل حول (ونوس) يحيى الفخراني الذي يحاول إغواء (ياقوت) نبيل الحلفاوي الذي كان تحت سيطرته لفترة حتى جاءته الصحوة وفاق وتاب إلى الله. يحاول (ونوس) طوال العمل الضغط على (ياقوت) من خلال التأثير على أبنائه ومحاولة إيقاعهم بالخطأ وخروجهم عن الطريق الصحيح، فيدخل (ونوس) في الحلقة الأولى من العمل إلى منزل عائلة ياقوت ويعرف على نفسه بأنه صديق والدهم القديم.
أوهم (ونوس)، زوجة ياقوت وأبناءه بأنه سيساعدهم للوصول إلى والدهم الذي هرب من أجل بيع منزله الذي يملك جزءاً فيه، مستغلاً نقاط ضعفهم للتفرقة بينهم.
عبدالرحيم نجح بإيصال رسائل شديدة الأهمية تتمحور حول ضعف إرادة وإيمان الإنسان وما قد يحدث لنا ما إذا ابتعدنا عن الله سبحانه وتعالى، وأن الله ورغم أخطائنا يسامحنا دائماً منتظراً العبد التائب بعد ارتكاب معاص كبيرة.
لفت أنظارنا إبداع مخرج العمل شادي الفخراني، نجل الفخراني، الذي تعاون معه في عدّة أعمال تلفزيونية حققت نجاحاً كبيراً جداً في الآونة الأخيرة. طوال متابعتي للعمل كنت أشاهده مستمتعاً بصورته القوية وطريقة أخذ “الكادرات” والأماكن المستخدمة في التصوير، فأحسست بأنني أشاهد فيلماً أجنبياً مكلِفاً، ورغم هذا إلا أنني لم أشعر لحظة بأن المخرج يستعرض نفسه أو إمكانياته بالعمل بل على العكس تماماً فهو استطاع أن يجعل الصورة بخدمة السيناريو فدمجهما سوياً حتى أخرج عملاً متكاملاً. كما لابد أن أشيد بالمسؤول عن الموسيقى التصويرية للعمل وهو أمين بوحافة التي كانت مناسبة تماماً مع طبيعة العمل ومستخدمة بحرفية مع كل مشهد. يذكر أن بوحافة قدم أيضاً موسيقى مسلسليْ (الميزان وجراند أوتيل) في رمضان 2016.
على جانب آخر، وفق المخرج والمؤلف بإختيار طاقم فريق العمل بشكل جيد جداً، تمثل بالآتي..
* يحيى الفخراني (ونوس):
أثبت الفخراني مرة أخرى بأنه ممثل من طراز رفيع، قلة قليلة من تستطيع أن تنافسه. جسد يحيى دور الشيطان الذي يوسوس للبشر في محاولة لإغوائهم وجعلهم عبيداً عنده، مقابل إعطائهم ما يريدون من مُتع الدنيا، فاستطاع الفخراني تقديم هذا الدور بحرفية شديدة جداً جعلني انبهر بأدائه.
رغم أن يحيى كان يقدم دور الشيطان إلا أنه لم يتخلَ عن كوميديته المعهودة التي تظهر في جميع أدواره والتي قدمها سواءًا في السينما أو التلفزيون.
لفت الفخراني أنظاري إلى طريقة أدائه لدوره والانفعالات التي تظهر واضحة جليّة عندما يسمع لفظ الله أو إسم من اسمائه فيرتعش رعباً منه بطريقة تجعل الأبدان تقشعر من هيبة المشهد رغم بساطته.
* نبيل الحلفاوي (ياقوت):
يحرص الفنان القدير نبيل الحلفاوي على اختيار أدواره التي يقدمها بعناية شديدة جداً، حرصاً على جمهوره الذي تعلق به منذ بداياته وخصوصاً مع دوره الذي قدمه في فيلم (الطريق إلى إيلات).
قدم الحلفاوي دور رجل يدعى (ياقوت) تزوج من النجمة هالة صدقي (انشراح)، وبسبب الظروف ابتعد عنها وعن عائلته لمدة 20 عاماً بعد أن ظهر له الشيطان (ونوس) في صورة صديقه الراحل وقدم له ملذات الحياة التي تُغري أي إنسان.
ورغم أن ياقوت انخرط بالحياة وفتنها إلا أنه فاق وقرر الابتعاد تماماً عن (ونوس) فأبطل عقده معه وبدأ يتقرب من الله مرة أخرى، ما جعل (ونوس) يبحث عنه ويحاول إغواءه مرة أخرى وتنفيذ ما اتفقا عليه سوياً من قبل.
جسد نبيل الحلفاوي دوره ببراعة تامة فتارة يجعلنا نتعاطف معه من شدة البؤس الذي كان يعيشه وتارة أخرى يجعلنا نكرهه بعد أن نرى قوته وجبروته اللذين كان يستخدمهما ضد الآخرين.
قدم الحلفاوي دور الإنسان بمثالية شديدة أي آدم الذي يخطيء بحق نفسه وربه ثم يندم على ما فعله ويتوب ويعود مرة أخرى إلى ربه طالباً منه المساعدة والنجاة مما يتعرض له من مصائب.
*هالة صدقي (انشراح):
انتقلت الفنانة هالة صدقي إلى مرحلة متقدمة جداً من التمثيل منذ مشاركتها في مسلسل (حارة اليهود) في رمضان الماضي 2015، واستطاعت أن تثبت جدارتها أيضاً هذا العام من خلال دور الأم (انشراح) التي عانت كثيراً وتحملت فراق زوجها وضحت من أجل تربية أبنائها ونسيت نفسها وحياتها كأي سيدة تحلم بحياة أفضل مع رجل يحبها ويحميها، حتى جاءها (ونوس) الذي أبعد أولادها عنها واحداً تلو الآخر، وجعلها وحيدة بحاجة لشخص إلى جانبها حتى جاء هو وعرض عليها الزواج!
قدمت صدقي دورها الذي يحمل تقلبات صعبة بشخصيتها، بداية من شخصية الأم المسؤولة عن منزل وأسرة بأكملها مروراً بتغير نمط حياتها بالكامل بعد ارتباطها عاطفياً بـ (ونوس).
* حنان مطاوع (نرمين):
فاجأت الممثلة المصرية حنان مطاوع، الجميع، بدورها الصعب الذي قدمته ببراعة شديدة جداً.
بعد أن تعودنا على حنان بتجسيد أدوار الخير وظهورها بملامح بريئة في أغلب أعمالها، استطاعت مطاوع إثبات أنها ممثلة من الطراز الرفيع حيث تخلصت من قالبها التقليدي الذي كانت تظهر به في أعمالها القديمة، وجسدت دور عمرها الذي ستحاسب من بعده إن لم تحافظ على النجاح والمكانة التي وصلت إليها.
هي نرمين ابنة انشراح التي انفصلت عن زوجها بسبب سلوكها الانفعالي معه، أنجبت طفلاً منه يدعى (ياسو) يعاني من الشلل في ساقيه وتعاني حنان في العمل من مرض الخوف الزائد على ابنها ووهمها الدائم بأنه محسود.
يستغل ونوس نقطة ضعفها هذه ويجعلها تتعلم السحر الأسود والأعمال التي تؤذي من حولها حتى يوصلها لمرحلة الانهيار التام التي تفقدها حضانة ابنها بسبب والده الذي يصر على أخذه للعيش معه خوفاً عليه منها.
ابهرت مطاوع الجمهور بأدائها وكيفية تناول شخصيتها المعقدة في العمل، حيث كانت تنتقل بسهولة من مشاعر الأم الطيبة الخائفة على ابنها إلى السيدة التي تؤذي جميع من حولها دون أن تشعر بذلك.
* نيكولا معوض (فاروق):
هو مقدم برامج وممثل لبناني، شارك في مجموعة كبيرة من الأعمال السينمائية والتلفزيونية ومنها مسلسل (ياسمينة) ومسلسل (وجع الروح) وغيرهما، بالإضافة إلى خوضه تجربة تقديم البرامج التلفزيونية التي جاءت من خلال برنامجي (روتانا كافيه) و(بالأرقام).
قدم نيكولا دور رجل الدين عديم الشهرة الذي يحاول جاهداً إلتزام المساجد واللحاق بالصفوف الأولى في الصلاة، لكسب جمهور يستعين به ويطلب الفتوى منه.
استغل ونوس حب فاروق للشهرة بشكل مبالغ فيه، وقام بإغوائه بالحصول عليها من خلال تقديمه برنامج في مجال الدين بعنوان (ربك رب قلوب) دون دراسته دراسة فقهية للشريعة الإسلامية، فأصبح الشيخ فاروق – كما أًطلق عليه – يطلق أحكاماً وفتاوى دينية خاطئة مستهيناً بالدين وأصوله، وكلما ازداد طمعاً كلما ازداد تمسكاً بما هو فيه.
قدم نيكولا أفضل ما عنده من خلال هذا الدور الذي أضاف له الكثير بمسيرته الفنية، فوسامته ولحيته زاداه جاذبية وجعلاه أفضل من قدم هذا الدور.
من أبرز المشاهد التي أثرت بالمشاهدين، لحظة انسحابه من المناظرة التي كانت ستتم بينه وبين الشيخ المنافس له الذي قدم دوره الممثل المصري حسن العدل، ولحظة ندمه الشديد على كل فتوى غير صحيحة وجهها لجمهوره الذي وثق به.
معوض ورغم صغر سنه وقلة تجربته التمثيلية، إلا أنه استطاع أن يقدم دوره ببراعة شديدة لدرجة أنه جعلني لا استسيغ لغيره أن يقدم هذا الدور.. “شابوه نيكولا”.
* محمد شاهين (عزيز):
لعب الفنان المصري محمد شاهين دور الطمّاع الذي يعشق النقود ويراها من أساسيات حياته، يتزوج خطيبته وابنة خالته (دنيا) التي لعبت دورها النجمة نهى عابدين. يعيش بالشك الذي وضعه ونوس داخله بشأن علاقة سريّة بين خطيبته وشقيقه (نبيل) الذي أدى دوره الفنان محمد الكيلاني. لدرجة أنه يفاجئنا بإحدى الحلقات وهو يصرخ بوجه شقيقه ويهدده بالقتل في حال محاولته زيارتهما أو معاملته مع ابنة خالته.
* محمد الكيلاني (نبيل):
قدم الكيلاني دور الشقيق الأصغر لهم “آخر العنقود” الذي يعشق الغناء، حتى يتقرب (ونوس منه) ويحقق حلمه بطريقة عكسية من خلال مساعدته بالعمل في ملهى ليلي وراء راقصة تدعى (معالي) تجسد دورها الفنانة الشابة ميرهان مجدي. يقرّبه (ونوس) منها ويدفعه للعيش معها قصة حب.
لم يضف الكيلاني جديداً لهذا الدور، بل كانت انفعالاته أغلبها عادية جداً لا تتماشى مع طبيعة المشاهد التي قدمها، فرغم أنه يتمتع بحس طربي مرهف إلا أنه لا يملك المقومات الأساسية لدخوله مجال التمثيل.
* مريهان مجدي (معالي):
تعرضت الفنانة الشابة ميرهان مجدي لانتقادات جمّة، بعد إخفاقها بتقديم دور الراقصة معالي بشكل جيد، لأنها لم تقنعنا لحظة واحدة بأنها راقصة لأنها لا تجيد الرقص وحركاته، بالإضافة إلى مبالغتها بانفعالاتها بشكل ملحوظ ومثير للشفقة.
* لطفي لبيب (قربان):
ظهر الممثل المصري القدير لطفي لبيب، كضيف شرف في العمل، حيث جسد دور (قربان) وهو شخص قام ونوس بالسيطرة عليه وجعله عبداً عنده.
رغم قصر دوره إلا أن لطفي أبدع بأدائه المختلف الذي قدمه، حيث ظهر شحاذاً قطع ونوس نصفه السفلي من جسده كنوع من أنواع العقاب.
تطرق لبيب من خلال دوره إلى مشكلة الشحاذة في مصر وعدم استحقاق أغلبهم الأموال التي يأخذونها، لأنه يظهر فيما بعد بأنه يعيش داخل قصر ومتزوج من سيدتين.
* محمود حجازي (غريب):
شارك المصري محمود حجازي مؤخراً في عدّة أعمال تلفزيونية مهمة مثل مسلسلات (القصير، ألف ليلة وليلة ومريم)، تاركاً بصمته رغم حداثته في المجال الفني.
محمود أدى دور (غريب) عبد ونوس الذي كان قريباّ من (ياقوت) يراقب تحركاته من ضمن خطة ونوس.
في الحلقة الـ 12، اجتمع غريب بالفخراني في مشهد أقل ما يقال عنه إبداع حينما قتل الراقصة (حياة) التي أدت دورها نهير أمين وسرق أموالها، وعلمت الشرطة بالأمر. استنجد حجازي بـ (ونوس) بعد أن كشفه البوليس لكن ونوس الشيطان خدعه بأن أقنعه إن قتل نفسه يستطيع أن يعيده هو للحياة مرة أخرى وهو الأمر الذي نفذه غريب على الفور، ما جعل ونوس يضحك ضحكة مخيفة جداً قائلاً: “يا غبي حد يسمع كلام ونوس”.
يعتبر هذا المشهد من الأحداث الفاصلة في العمل، حيث يتحدث عن طرق إغواء الشيطان للإنسان وكيف يسهل الشيطان الأخطاء ويبلورها حتى يستسيغها الإنسان وينفذها بسهولة. فيُظهر لك أن غريب سمع كلام ونوس الكاذب لينجو من الإعدام في (الدنيا) ويلقي ربه وعذابه في الآخرة.
شارك في بطولة العمل أيضا كل من سماح السعيد التي أدت دور (هالة) زوجة فاروق الأولى، دنيا عبد العزيز التي جسدت دور الممثلة المعتزلة (نهى) زوجة فاروق الثانية، أحمد السلكاوي الذي لعب دور (مراد) طليق (نرمين)، علاء زينهم الذي بدور (قصبي) صديق (ياقوت) الذي انقلب ضده في الحلقات الأخيرة وطرده من مسكنه بعد “وسوسة” ونوس له، منير كرم بدور (طبيب التحاليل).
بالإضافة إلى ناجي سعد (نبيه علوان) الذي لعب دور صاحب محطة فضائية، عبدالرحيم حسن صاحب المحطة الفضائية التي عمل بها فاروق، عصام توفيق وهو ضابط الشرطة الذي كان يحقق مع (نبيل) عندما كان مقبوضاً عليه بتهمة قتل الراقصة (حياة) والدة (معالي)، سلمى غريب جسدت دور (سومة) صديقة (انشراح)، إدوارد ظهر كضيف شرف في العمل، فاطمة كشري (أفراح) جسدت زوجة لطفي لبيب التي انتقمت منه وقطعت يديه بعدما علمت بخيانته لها وامتلاكه أموالاً كثيرة وغيرهم.
أخيراً، أبدع الممثلون فيما قدموه من أدوار تتناول حكماً ومواعظ نحن في أمس الحاجة إليها الآن في ظل ما نعيشه اليوم من خراب ودمار. فرغم تعدد الأديان السماوية إلا أن الرب واحد، بينما الشيطان يحاول دائماً إيقاع البشر بشباكه التي ينسجها حولهم.. ورغم أخطائنا إلا أن مؤلف العمل ركز على أن باب التوبة مفتوحاً للجميع حتى وإن كانت حياة الإنسان مليئة بموبقات الحياة فالله لا يتخلى أبداً عن عبده ما دام يدعوه ويطلب وجوده إلى جانبه دائماً.
أثبت مؤلف العمل عبدالرحيم أن الإنسان هش بطبعه يتأثر بأقل الأشياء، وأن النفس أمّارة بالسوء وأننا لابد أن نجاهد أنفسنا حتى لا نضيّع طريق الحق الذي رسمه الله لنا، وظهر ذلك واضحاً في أحد مشاهد الحلقة التاسعة عندما ضعف الحلفاوي للحظات بعدما أخذ حقيبة النقود من (ونوس)، ثم فاق مرة أخرى وألقى بها في النيل واختار طاعة ربه حتى وإن كانت صعبة وشاقة عليه.
كما أشار المؤلف إلى أن نفس الإنسان تكون ضعيفة جداً عندما يكون مبتعداً عن ربه قاطعاً جميع الروابط التي توصله إليه.
سلط الضوء أيضا على الدعاة الإسلاميين الذين يلهثون وراء الأضواء والشهرة على حساب دينهم، فيصدرون الفتاوى ويكفرون الأشخاص ويصفونهم بأسوأ الصفات وكأنهم وظفوا أنفسهم لمحاكمة هؤلاء متناسيين قول الله عز وجل: “ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد” صدق الله العظيم.
)
