منذ 8 سنوات - لِمَ لا يعيّن خليل حنون مديراً عاماً لوزارة الثقافة كي تكون لنا وزارة حقيقية؟
- فات السيد الرحباني أنّ جمهورية الريف أمازيغية.. وأي نشيد لها سيُنشَد بهذه اللغة!
-
لم يقل (الأخوان فليفل) إنّ لحن النشيد مسروق أو مكرّر.. ولو كان كذلك لكان من مصلحتهما!
-
تسجيل نشيد (بطل الريف) ليس أقدم من تسجيلات نشيدنا.. ولا دليل هنا على الأسبقية!
بيّنت محطة (الجديد) في أخبارها عبر التقرير الذي قدّمته رشا كرم، أنّ النشيد الوطني اللبناني مسروق من لحن مغربي لنشيدٍ مغربي! وادّعى التقرير ذلك عبر وثائق يصدّقها الرأي العام لأنه لا يفهم بالتوثيق! ومن هذه الوثائق فيلم وثائقي عن المغرب عرضته إحدى المحطات عن جمهورية الريف، التي تأسست العام ١٩٢١، وانمسحت عن الخارطة العربية المغاربية، بعد هجومٍ فرنسي إسباني العام ١٩٢٦. ويقول التقرير: إن النشيد الوطني اللبناني مأخوذ أي مسروق عن نشيد (بطل الريف)، ولحّنه محمد فليفل وليس وديع صبرا! وعرضت (الجديد) اللحنين المتطابقين، لكن نشيد الريف يقول: كلنا يعجبُ بفتى المغربِ/كلنا يطرب لانتصار الأبي، بينما النشيد الوطني اللبناني يقول: كلنا للوطن/للعلى للعلم. واستضاف التقرير غسان الرحباني الذي هبّ لينقذ الوطن، والذي طالب بوقفة تاريخية لأنّ لبنان حسب النشيد المسروق، بُنِيَ على كذبة منذ العام ١٩٢٧ حسب رأيه.
ملاحظة: هذا التحقيق كتبته منذ ٥ سنوات تحديداً في ٢٢ نيسان – أبريل ٢٠١١
البحث التي تم نشره في ٢٢ آبريل – نيسان من العام ٢٠٠١١
ونحن نوافقه بأنّ لبنان قام على كذبة في طريقة تأسيسه، وسيبقى كذبة، إذا لم نعجِّل لإنقاذهِ منا نحن الجهلة..
لكننا نأسف لغسان الرحباني الذي تسرّع، ليس لأنه متسرعٌ بل لأنه صدّق اللعبة، ولأننا وبعد طول بحث، خلصنا إلى ما خلص إليه الرائع (خليل حنون) الذي لا نعرفه شخصياً، لكنه صادق أمين في ما قاله، وننشرهعلى صفحاتنا.
فلِمَ لا يعيّن (خليل حنون) مديراً عاماً لوزارة الثقافة كي تكون لنا وزارة حقيقية، لكن «بتزبط على ٦ و٦ مكرر»؟
أين رأي وليد غلمية ورأي وزارة الثقافة التي تتكل علينا، ونحن لا نقبض مال الدولة، بل ندفع لها لندافع عن حقوق المواطن اللبناني وتاريخه؟ يقبض الوزير والمدير العام ورئيس الكونسرفاتوار ونحن من يعمل.. عال!
-
خليل حنّون ماذا قال:
(النشيد الوطني اللبناني هو نشيدٌ لبناني مئة في المئة، بعكس ما أثاره السيد غسان الرحباني في حديثه لقناة (الجديد)، إذ شكّك لا بل أكّد أن هذا النشيد ليس أصيلاً في لبنانيته، وبأنه النشيد الرسمي لجمهورية الريف المغربية، التي تأسست في ١٨ سبتمبر/أيلول عام ١٩٢١. واستند غسان في إدعائه هذا على مقطعٍ لنشيد مأخوذ من فيلم وثائقي عن المُعارض الإشتراكي المغربي مهدي بن بركة! (لا أدري هنا ما وجه الصلة) واستندَ أيضاً على تاريخ كتابة قصيدة نشيد بطل الريف للشاعر الراحل إبراهيم طوقان، واعتمدَ تاريخ كتابة القصيدة على أنه تاريخ تأليف النشيد المزعوم لجمهورية الريف، وهو بذلك وقع في أولى مغالطاته، ضمن مغالطات كثيرة، وكبيرة أهمها:
١- لا يوجد مصدر أو مرجع واحد مما وقعت يدي عليه في اللغة العربية أو الإنجليزية ذَكَرَ أنّ لجمهورية الريف الأمازيغية نشيداً وطنياً، كما أنّ الوثائقيات التي شاهدتُها، والتقارير الفيديوية التي تحدثَت عن عبد الكريم الخطابي وجمهورية الريف الأمازيغية، لم يذكر أي منها أنّ لهذه الدولة نشيداً وطنياً، وإنما الجميع أتى على ذكر عَلَمِ هذه الدولة، وعملتها الوطنية، والبعض تكلّم بالتفصيل عنهما. كما أنّ هذه الأفلام والمقاطع الفيديوية لم تستخدِم هذا النشيد في ثناياها، وحتى أشدّ المتحمّسين من المغاربة الأمازيغ والمطالبين بعودة جمهورية الريف لم يستخدِموا هذا النشيد المزعوم!
٢- لا أعتقد أنّ تأليفَ نشيدٍ وطني كان من أولويات جمهورية الريف التي كانت مؤلّفة من تحالف قبائل أمازيغية، وكانت همومها كثيرة، منها هموم داخلية على صعيد الوحدة وإنشاء البنى الأساسية للدولة، ومنها هموم خارجية تتمثّل في المحاولة المستميتة لانتزاع اعترافِ الدول الكبرى بها، وهو أمر لم يتحقّق رغم الإصرار والإرادة. أضِف إلى حالة اللاأمان والتهديد العسكري والأمني، إذ أن جبهات هذه الدولة الفتيّة كانت في تماسٍ مستمر ومعارك مع الجيش الإسباني طوال فترة نشأتها. ولاحقاً، شارك الجيش الفرنسي بقوات كبيرة، ولم يتمكّن من إخضاعها لسيطرته، إلا بعد استعمال الأسلحة الكيماوية.
٣- لحنُ النشيد هو لحن غربي أو على مقاييس النشيد العسكري الأوروبي. وقد عُرِفت جمهورية الريف باعتزازها بهويتها الإسلامية الشرقية الأمازيغية، وكان عبد الكريم الخطابي يفتخر دائماً بأنّ دولته هي الوحيدة التي لم تطأها أرجل الأوروبيين. فكيف بعد هذا الإعتزاز الوطني العالي بالهوية والإنتماء، يقوم باعتمادِ نشيدٍ على نظم إيقاعات المستعمِر الأوروبي؟
٤- فات السيد الرحباني أنّ جمهورية الريف هي جمهورية أمازيغية، وبالتالي فأي نشيد لها كان على الأرجح سيُنشَد بهذه اللغة. وفي مواقع الإنترنت الأمازيغية القومية، والتي تطالب بعودة جمهورية الريف، وخاصة في الفيديوهات التي يبثونها على (اليوتيوب) وغيره، يستخدمون في دعوتهم نشيد القبائل الأمازيغية، وهو أقرب أن يكون نشيداً لهذه الدولة من نشيد بطل الريف.
٥- تسرّع السيد غسان الرحباني، وادّعى أن نشيد بطل الريف لُحِّنَ واعتمِد عام ١٩٢٤ استناداً إلى التاريخ المطبوع أسفل قصيدة الشاعر إبراهيم طوقان، دون أن يفطن إلى أن هذا تاريخ كتابة القصيدة على عادة الشعراء، وأنّ الملاحظة المدوّنة أسفله بأنه تلحين محمد فليفل، لا تربط بالضرورة وقت التلحين بهذا التاريخ، إذ أنّ محمد فليفل تعرّف إلى طوقان في هذه الفترة أو بعدها، وكان نشيد (موطني) أوّلَ تعاون بينهما، حسب تسجيل إذاعي لمحمد فليفل نفسه.
٦- ولكن، هل هناك صلة بين النشيد الوطني اللبناني وقصيدة نشيد (بطل الريف) أو عبد الكريم الخطابي؟ الصلة موجودة لكن ليس بالطريقة الإنتقائية التي استعرَضها تقرير قناة (الجديد). لقد قام الأخوان محمد وأحمد فليفل بتلحين قصيدة نشيد (بطل الريف) ليقدِّماها هدية لعبد الكريم الخطابي. وعندما أعلنت مسابقة إختيار النشيد الوطني اللبناني عام ١٩٢٧ طُلب من الأخوين فليفل وضع تفاعيل النشيد، فاختارا وزن قصيدة نشيد (بطل الريف) لتكون المعيار. وقام الشعراء المتقدّمون للمسابقة بنسج قصائدهم على إيقاعها، ومنهم الشاعر رشيد نخلة، وقد لحّن هذه القصيدة وقتها الأستاذ وديع صبرا، و فازت بالمسابقة، واعتُمِدت بأنها النشيد الوطني اللبناني.
٧- النشيد المزعوم لجمهورية الريف في الفيلم الوثائقي عن بن بركة، نوعية تسجيله (قصد تتقنيات التسجيل) لا تمتّ بصلة لفترة العشرينيات أو الثلاثينيات، وإنما ترجع إلى الخمسينات على أقدم تقدير. واللقطات الموضوعة عليه هي من عام ١٩٥٩ حسب الفيلم، وتعود للملك المغربي وليس لجمهورية الريف.
إذاً فتسجيل نشيد (بطل الريف) ليس أقدم من تسجيلات نشيدنا الوطني اللبناني، ولا دليل هنا على الأسبقية. وربما، كلمات نشيد (بطل الريف) أُعيد وضعها في قالب شبيه بالنشيد الوطني اللبناني، كون قالب النشيد اللبناني الموسيقي مناسب بسبب التقارب العَروضي في الشكل والمبنى. وهذا يعني أنهم هم من سرقوا منا.
٨- فاز لحن وديع صبرا بمسابقة النشيد الوطني عام ١٩٢٧وحلّ في المرتبة الثانية نشيد الأخوين فليفل. ووقتها، كان الأخوان فليفل مشهورين بالأناشيد، وإطلاعهما الواسع على هذا العالم. وقد قدّما اعتراضهما على نشيد وديع صبرا (كلنا للوطن)، ولكنها كانت كلها اعتراضات فنّية لتحسين النشيد ومعانيه. ولم يقولا يومها بأنّ هذا اللحن مسروق أو مكرّر، ولو كان كذلك لكان من مصلحتهما، حيث كان سيُعتمد نشيدهما بدلاً منه.
وفي النهاية، فإن تقرير قناة (الجديد) أساء إلى تاريخ الأخوين فليفل، وتكلّم عنهما بالمقاييس الأخلاقية السائدة في هذا العصر. ويبدو أنّ مُعدّته لم تكلّف نفسها عناء البحث والتقصّي، واكتفت بالقشور الملقاة هنا وهناك. ويكفي أنّ الأخوين فليفل كانا من بناة الشعور الوطني في هذا البلد، وساهما في تأسيس هويته إلى جانب الرحابنة الكبار وعمر الزعنّي وزكي ناصيف وغيرهم. وسوف يذكر التاريخ كيف أنهما عملا على نشر وترسيخ هذا النشيد الوطني، رغم أنه لم يكن من تلحينهما، وكيف أجبرا المستعمر الفرنسي على عزفه كل صباح في مدرسة (حوض الولاية) إلى جانب نشيد الـMarseillaise لينتشر بعدها على ألسن كل الناس( كلنا للوطن).
نضال الأحمدية Nidal Al Ahmadieh
)
