منع فيلم هيفا في مصر وكل الجدل الحاصل حوله _والأمر يستحق_ لأنها خطوة غريبة شكّلت صدمة للعقل العربي الجماعي الرافض منذ بداية الثورات لكل المحرمات القديمة غير المحترمة، والتي تعيدنا إلى أحضان ثقافة الأخوان وأخوانهم!

والغريب أكثر هو شكل ومضمون ردود الفعل التي تدل على شعوب ما زالت تسبح في بحار الجهل وتدعي الوعي وتطالب بالحرية وهي في الحقيقة سجينة أوهامها وخيباتها وانكساراتها.

شعوب عربية تتقن فن التقاتل والقتل واللطم والتحريم.

الحل دائماً عند العرب يكون بالمنع أو التحريم، ولا حلول أخرى، لأن العقل العام تحكم به الصدأ لشدة انغلاقه وعدم قدرته على البحث عن جديد.

عال.. قالوا أن الفيلم يسيء للأطفال وأنا أصدق، ولن أدخل في نقاشات. لكن كل الإعلانات والتوجيهات من أصحاب الفيلم جاءت تؤكد جازمة أن الفيلم للكبار فقط.

إذاً الفيلم لم تتم صناعته للقضاء على الأطفال العرب، ولا هو عمل إرهابي يشبه سلوك السلفيين التكفيريين الذين يقتلون الأطفال تحت مسميات ومبررات عدة!

الفيلم ينقل قصة اجتماعية ويرويها كما هي، ويتخيل فيه الكاتب والمخرج وغيرهما من الذين اشتغلوا على صياغته على الورق ومن خلال الصورة. إذاً هو عمل فني اجتماعي يعكس صورة حقيقية عن حالة الطفل العربي تحديداً، وكذلك العقل الحريمي الذي يظلم المرأة، وهذا ما اتفقت عليه المثقفات العربيات المستوردات لعبارة (أكبر عدو للمرأة هو المرأة)!

فإذا كان الفيلم يعبر عن حكاياتنا، وعن وضع أطفالنا، فأين العيب فيه؟ وأي جريمة اقترف إذا كان فضح جانباً من سيكولوجية العائلة العربية بما فيها أطفالها الشباب الذين يمارسون الممنوعات سراً كالطفل الذي نشاهده في الفيلم!

قرار رئيس الوزراء المصري السيد ابراهيم محلب، والذي أصدره نتيجة ضغط من جمعيات أهلية، لا يتحمله رئيس الوزراء، بل العقل الحريمي للجمعيات التي تخاف على الأطفال من فيلم، ولا تسعى لصياغة مشروع إنساني كامل لصالح الأطفال، يبدأ أولاً بسن القوانين وإنشاء مؤسسات حكومية ترعى شؤون العائلة، تماماً كما يحدث في كل الدول المتحررة من الخوف والتي تتطلع إلى احترام الحريات العامة وحماية المتضررين منها عن طريق سن القوانين تماماً كما يحدث في أميركا مثلاً. 

وإني أستغرب أن تقوم الهيئات الأهلية أو المدنية في مصر تحديداً بحملة لإيقاف فيلم من إنتاج وصناعة مصرية بحجة خوفها على الأطفال، ولا تقوم هذه المؤسسات نفسها بحركة أقسى لتأمر أقمارها الصناعية بمنع البث لإحدى أهم المحطات التلفزيونية التي تعرض على مدار 24 ساعة أفلاماً أجنبية ممنوع عرضها على الشاشات الأجنبية لأنها تعلم الأطفال كل فنون الجريمة!

القرار في مصر ليس قضية تتعلق بهيفا. بل بالمؤسسات المعنية بالصناعة السينمائية، وبنقابة المهن الفنية، وكذلك فإن المنع هذا كشف عن حقيقة مخيفة وهي أن الجمعيات لا تسعى لضبط دور السينما وملاحقتها في حال سمحت لطفل بدخول صالاتها لحضور الفيلم، لذا "استهونت" وتصرفت مثل شيوخ الحلال والحرام ومنعت فيلماً لتؤسس لمرحلة جديدة من التحريم في الحياة الفنية والثقافية والصناعية في هوليود الشرق.

منع فيلم هيفا ذكرني بنوايا الأخوان حين حكموا مصر وقرروا "قصقصة" فيلم (أبي فوق الشجرة)!

نضال الأحمدية

 

Copy URL to clipboard

شارك الموضوع

Copy URL to clipboard

ابلغ عن خطأ

لقد تم إرسال رسالتك بنجاح

نسخ إلى الحافظة

أدخل رقم الهاتف أو بريدك الإلكتروني للإطلاع على آخر الأخبار