حسام العاينة

بقلم: حسام العاينة

إن الكاتب تلك النفس المُعذبّة والروح القلقة والفراشة الملآى بالتوقد والحب والحنين، والذي يستلهم من الحياة فنوناً شتى يصوغها قصصاً تحقق لقلوبنا وعقولنا وحواسنا السحر والتناغم والحب والجمال.
هذا الكاتب قادر على تفجير جُزئيات حياته النابعة من مأساته وألمهِ، ويغلب الحزن عليه الذي يكون أحياناً أقوى من ضوء الفجر، ومن أريج الزهر، ومن جماليات الكون كله.

وحده القلم يعبر المدى و يُوحّد الأرواح كمعجزة ويلغي الحدود.. وحده يخلط النهاية بالبداية ونعيش من خلال مداد سُطوره بين الخيال والحقيقة، نُتمتم جمالات وذكريات الأمس وعذاباته، واختلاجات اليوم التي تنهار وتتلاشى يوماً بعد يوم برمادها و دمعتها و جُرحها وألمها، فرغم قُدّسية القلم و عظمة الكتابة كنشاط إنساني وحضاري إلا أن السؤال الذي أصبح يُ
لّح وبقوة على الأدباء والشُعراء ويباغت خاطرهم ،لماذا نكتب ؟ ولمن نكتب؟! ولمن ستصل كلماتنا!! و هناك من يُفضّل الرغيف على الكتاب والدواء على الصحيفة !!
وهُناك من يقتني الكتب الفاخرة فقط ليباهي بها أمام أصدقائه ومعارفه دون أن يعرف ما تحتويه هذه الكتب المُتراصة في مكتبته!!
شيء بديهي أو طبيعي أن يتبادر هذا السؤال إلى ذهن وخاطر الأديب أو الصحفي فهو إنسان أولاً وأخيراً ، يتمنى .. يحلم ..يغضب. .يخاف .. يهدأ، ولكنه عندما يحيط قلمه بقيد واحد وهو قيد الضمير و يُقدّم للقارئ ما يُؤمن به و يعتقده بأمانة وصدق، فإن هذا السؤال لن يكون هاجسه و عقابه في آن واحد لأنه ُخلق ليُضفي على الحياة وعلى هذا العالم المُتناقض التناغم والتناسب و كل ما هو جميل ونبيل ورائع!.
و مهما كان قدر الغدر أو الجرح الذي يطال قامته فإنه بحروفه و أوراقه سينتصر في النهاية لمبدأ أو فكرة حتى لو توقّف قلبه عن النجيع بين السطور دون شهرة أو إنصاف أو تكريم وهو على قيد الحياة ؟!!.
وهذا ما حصل مع ( دانتي جيري ) صاحب الملحمة الرائعة الكوميدية المشهورة ، ذلك الشاعر الفقير الضئيل الجسم عندما سمع أن ” البابابونيفاتشو” يضطهد بلده فلورنسا ، هبّ مدافعاً عنها و قال للبابا : إنك تظلمنا يا مولاي !!في حين سكت أغلب الفرسان والنبلاء ، كان دانتي يعرف أنه يقف أمام قوة جبّارة و قسّوة عاتية دونما رحمة ، لكنه لم يخف وأصرّ على موقفه ..!! أصدر البابا قراراً بتشكيل محكمة أصدرت قرارها بإحراق دانتي حياً؟!!
و استطاع شاعر الكوميديا الكبير أن يهرب وتطارده قوى الإرهاب في كل مكان وأرض .. حتى مات غريباً بالملاريا عام (1231) في رافنا، وشُيّعت جنازته في احتفال مهيب ، و بعد موته تصارعت ” رافنا وفلورنسا ” على شرف دفنه في أرضها ، وشاعت شهرته وكتبوا على قبره ( مجّدوا الشاعر العظيم)؟!!.
دعونا نُسّلط الضوء على كل كاتب ، مبدع ، شاعر وصحفي عربي ونٌكرّمه وهوعلى قيد الحياة قبل أن يرحل إلى السماء ويُصبح في قبرٍ رُخامي أو تُرابي لا فرق فالموت واحد؟!
فعلى سبيل المثال مُعظم الكتُّاب والأدباء المُبدعين سواء في لبنان وسورية لا يُكرّمون سوى خارج حدود أوطانهم !! كما حصل مع الروائي حسن حميد الذي تمّ تكريمه في معظم البلاد العربية على رواياته وخصوصاً رائعته ( بنات جسر يعقوب ) و لم يُكرّم في وطنه!!
ولن أنسى الروائي السوري المرحوم ” فارس زرزور” عندما قال في إحدى حواراته قبل وفاته منذ سنوات : ” إن الدولة لم تُنصفني .. أتمنى أن يقصف الله عمري!! ”
ولا أعلم إن استطاع قراءة اللقاء قبل وفاته أم لا؟!
أما بالنسبة لي فقد عجز قلمي النحيل عن الكتابة ؟!
فالمثل الشعبي يقول: ” مزمار الحي لا يُطرب ” !!…

Copy URL to clipboard

شارك الموضوع

Copy URL to clipboard

ابلغ عن خطأ

لقد تم إرسال رسالتك بنجاح

نسخ إلى الحافظة

أدخل رقم الهاتف أو بريدك الإلكتروني للإطلاع على آخر الأخبار