أم كلثوم أصبحَت فاسقة وفاجرة وتُحرّض على الرذيلة، ووصلنا إلى بيت القصيد: الفن حرام؟
لم يكتفِ بعض الدعاة بسبِّ فنانات اليوم، بل وصلوا لمطربين وكتّاب عظماء خطّوا تاريخ الإبداع وشقّوا بأصواتهم طرقاً إلى النور في عصر الظلام. لم يعد الموضوع اعتراضاً على التعرّي، إنّما وصل لمناقشة كلمات أرقى الأغنيات والأعمال الفنّية العربيّة، ووصلنا إلى بيت القصيد، أنّ الفن حرام، والأدب حرام، إن لم يكونا محكومين بأحكام الدين!
وجدي غنيم جاء خطابه كالتالي: أيها الداعرون أيتها العاهرات..هل هذا فن؟
خرجَ وجدي غنيم في الحلقة الثانية من سلسلة خطابات له على موقع الـ Youtube, أسماها (أيها الداعرون، أيتها العاهرات، هل هذا فن)؟ في معرض حديثه يصف غنيم مَن يسمّونها بسيدة الغناء أم كلثوم، حسب تعبيره، بـإنها تدعو للفحش، فهل هذه كوكب كما يقولون؟ ويستشهد بكلمات «خدني لحنانك خدني» سائلاً «لو قالت لك هذه الكلمات فتاة من البلكونة ماذا تفعل»؟
كذلك عبد الحليم الذي يقول: «لا حسلّم بالمكتوب ولا أرضى أبات مغلوب» وغنى عبد الحليم «قدرٌ أحمق الخطى» أي أنهُ لا يؤمن بالله وبالقدر على حد توصيف غنيم الذي هاجم عادل إمام، قائلاً: «ده واحد مجرم رجلو والقبر سوى ولسا عمال ينشر الفساد» وسردَ غنيم مثالاً من أحد مشاهد إمام حين يقول لممثل معه: تعالى نسرق, فيرد: «مش السرقة حرام»؟
ويجبيه إمام: «عندك طبق كشري، خدنا منو ملعقة هينقص» ويستغرب غنيم معلقاً: هل هذا فن»؟
دخل غنيم في تفسير وتحليل كتابات المفكر اللبناني الأميركي العالمي جبران خليل جبران، وأعطى مثالاً من قصيدة غنّتها له السيّدة فيروز: (أعطني النايَ وغنّي.. فالغنا سرُ الوجود)

وسأل غنيم إن كان الغناء سر الوجود، فهذا كفر!

واستشهد الشيخ برواية (أولاد حارتنا) لنجيب محفوظ فيقال: «عامل فيها ربنا ومسميه الجبلاوي، بلاوي زرقا»!
ومع هذا الشيخ نكون قد ابتعدنا كثيراً عن رأي قاسٍ أو هجوم على فنانات وحديث من دُعاة عن التعرّي ومطالبة بفن ملتزم. أصبحَت الشروط هي الإلتزام بشريعة من اضطهدهم الحكام فصاروا شيوخاً أو دعاةً وسنوا دساتير انتقامية نسبوها للقرآن الذي يحكم باحترام الحريات على أنواعها كما يدعونا لاحترام الآخر وإعتاقه!

كلاب .. صراصير.. جِزَم

في زمن الإخوان، الفن حرام، الأدب حرام والصحافة حرام. بدأ كل ذلك مع فورة الفضائيات الدينية لتنتشر ظاهرة التكفير والتحريم، ومهما كان عدد المكفّرين، لكنهم بدأوا يُشعرونا بفوضى وارتباك وبخطر كبير يهدّدنا.
وجدي غنيم لم يكتفِِ بتكفير أم كلثوم وعبد الحليم وفيروز، بل كفّر الصحافة التي تنتقد الرئيس مرسي واصفاً المعارضين بالـ كلاب، الصراصير والجزَم. فإن كان هجومه على الفن من أجل الإسلام، والهجوم على الإعلام من أجل الرئيس، فهل يستوي هذا وذاك.
وبدل أن تكون مهمة مرسي رئيساً للجميع يحوّلونه إلى وصي على تنفيذ أحكام الإسلاميين؟
فهل يتمكنوا من مصادرة أرشيف المكتبات الفنيّة والأدبيّة العربية، وهل ستحدُ الرقابة من الحرية التي تتأرجح أحياناً بين هامشي الجرأة والعُري، والأهم، أننا أمام خطر كبير وهو مصادرة الحق وسبي الحريات. ليس الفنان والأديب والصحافي مهدّد فقط، إنّما أي كائن يعيش في منطقة يحكمها متأسلمين.

زيارة الرئيس

من السُباب بدأت حكاياتنا وتُفتَح الملفات, من شيخ بدأ بشتم إلهام شاهين فوصفها بالعاهرة والزانية ليصبحَ وجود الفنانين المصريين على المحك وأقول (قضية وجود). والقضية بدأت منذ انهت الثورة مهامها بترحيل حسني مبارك ومجيء الإخوان، وحينها سألنا: وأيُ فنٍ يبقى لنا ولكِ يا مصر؟
ملف الممثلة إلهام شاهين يتفاعل ويخلق جواً شاحناً ضاغطاً، وربّما اختارها التطرّف كأوَّل سمكة تعلق في شباكه كي يقصوا زعانف باقي السمك في نيل مصر.. وعقب اتهام الهام بأبشع العبارات ومنها (زانية)أطلَّت في برنامج (ناس بوك) مع د.هالة سرحان وكانت مقنعة في ردودها لكنّها بكت حين عرضت عليها هالة التسجيل الذي لم تره إلهام، لأنها كانت مع صديقتها يسرا في رحلة علاج ما بين فرنسا وألمانيا. سمعت إلهام المدعو بدر وصرخت: أين الرئيس؟ رئيس الجمهورية موظف في هذا البلد!
بعد ذلك، اتصل بالهام مستشار الرئيس واستفسرَ عن عدم تلبية دعوتهم واعتذر لها، فأعلنت تفاؤلها وصرّحت بأنّ الرئيس والأزهر ردّا لها اعتبارها.
الرئيس الموظف في لقاء الفنانين الملوك
استدعت صرخة إلهام شاهين لقاءاً كان الأول بين رئيس الجمهورية محمد مرسي و150 فناناً. ضمّ اللقاء وجوهاً مثل نجلاء فتحي، نقيب الموسيقيين إيمان البحر درويش، عادل إمام، محمد صبحي، محمد منير، حسين فهمي، ليلى طاهر، سهير البابلي، مديحة يسري، عايدة عبد العزيز، عبد العزيز مخيون، خالد يوسف، مصطفى شعبان وغيرهم.

الزعيم صمت ومخيون إنسحب

و بدأت ردود الأفعال
بالرغم من أنّ عادل إمام كان من بين الجموع في لقاء الرئيس، لكنهُ كان ينتظره في الخارج حكماً قضائياً يقضي بسجنه، لأنّ دعوى أقامها ضده رجل من الإخوان بتهمة إزدراء الأديان، ومع أنّ قضية ازدراء الفنان المصري بدأت مع إمام يوم بدأوا محاكمته لأنه صاحب رأي، لكنّ إمام التزم الصمت.
أما عبد العزيز مخيون فانسحب قبل نهاية اللقاء، وقال أنّ توزيع الكلام لم يكُن عادلاً، ثمّ اتّهم الرئيس بالتأخّر عن لقاء الفنانين لساعة ونصف.
محمد صبحي، فاجأت إيجابيته المُبالغ بها ومديحه للرئيس، بعض المتابعين، ووُصِف بالمتملّق مع أنهُ من تيار ناصريّ مُعارِض لتيار الإخوان الذي أتى بالرئيس إلى سدّة الحكم.
انقضى اللقاء، ولم يُعرَف بعد ما إن كان لقاءً فلكلورياً كما يصفه نصف نجوم مصر أم أنهُ بادرة ساعية ودؤوبة لحماية الإبداع في ظلّ هجوم شرسٍ منظم من الاخونجية المتطرفين؟!
أما خالد يوسف فخرج من اللقاء مخذولاً، وقال إنهُ ليس متفائلاً بالرئيس مرسي، فكيف لتيار إسلامي لا يعترف بالفن أساساً أن يدّعي حمايته؟

الفضائيات الدينية تنتقد مرسي وتهاجم منتقديه

لقاء الرئيس بالفنانين سبّب حالة هيجان لرجال الدين المتطرّفين، الذين انتقدوا اللقاء وقال بدر أنهُ كان ينتظر من مرسي تنفيذ شرع الله! وخرجَ الداعية فاضل سليمان، ليشبّه حفلات الفنانات اللبنانيات ومنهم هيفا، بالشعائر التي تُقام فيها عبادة الشيطان. لكنّ الغريب أنّ الشيخ يدافع في نفس الوقت عن موسيقى (الميتال) وموسيقى (الهارد روك) الصاخبة، لما تتسم به من خشونة عكس حفلات مدام أبو هشيمة كما يقول الداعية! وبالتالي يظهر مدى التناقض والإلتباس الكبير!

الرسول وأبو بكر.. كانا يسبّان ويشتمان!

الشيخ عبدالله بدر أغاظه اجتماع الرئيس بالفنانين، فأطلّ من جديد ليدافع عن نفسه ويبرّر شتائمه، وفوجئنا به مع الإعلامي معتز الدمرداش على قناة Dream يدافع عن نفسهِ ويقول إنّ ما قاله ليس إلا توصيفاً شرعياً، وبإعتقاده يجوز اغتياب المجاهرين بالمعصية. واستشهد بالرسول وبالخليفة أبو بكر الصديق، فادّعى أنهما كانا يشتمان الضالّين، وقال: «القرآن بيشتم ولو دي شتيمة يبقى ده اتهام لله!»
اتهامات وتكفير وإساءات باسم الدين، بينما لا تتحرّك الجهات الدينية المسؤولة ولا تقاصص الذين يشوّهون الدين ويخترعون فتاوى ويأذنون لفلان أن يدخل الجنّة، ولعلّان أن يدخل النار، ومعهم حتى الأموات لم يسلموا من التكفير!

Copy URL to clipboard

شارك الموضوع

Copy URL to clipboard

ابلغ عن خطأ

لقد تم إرسال رسالتك بنجاح

نسخ إلى الحافظة

أدخل رقم الهاتف أو بريدك الإلكتروني للإطلاع على آخر الأخبار