تسبب ازدحام الموسم الرمضاني الماضي بكم هائل من المسلسلات في ظلم بعض الأعمال الغنائية التي صدرت في ذلك الوقت ضمن المسلسلات سواء كتيترات مقدمة ونهاية أو حتى داخل أحداث العمل، ورغم تحقيق الأغنيات التي تغنت بها الفنانة المصرية شيرين عبد الوهاب في مسلسلها (طريقي) لأصداء إيجابية وانتشار كبير، إلا أن بعض أغنيات (طريقي) تستحق إشادة أكبر وإلقاء الضوء عليها بشكل أقوى.

شيرين عبد الوهاب 541

لأن العمل الجيد يجب علينا جيمعاً أن نشيد به كي نرى فيما بعد أعمالاً جيدة مثله أو حتى أفضل منه، يحتم عليّ ضميري المهني أن أشيد بأعمال الشاعرنادر عبد الله في مسلسل (طريقي)، وكذلك أعمال الشاعر أمير طعيمة في العمل نفسه، رغم مرور بعض الوقت على صدور أعمالهما في المسلسل إلا أن ذلك لا يمنع الإشادة بهما الآن، خصوصاً وأن ما قدماه سيترك آثره لسنوات طويلة مع الجمهور لأن العمل الراقي لا يُنسى ولا يُمل منه.

نادر شارك في المسلسل بأغنيتين هما (على مين الملامة) و(لسة في أمل)، الأولى يستحيل أن يسمعها أحد إلا ويشعر بأنه يستمع لأغنية من أيام الزمن الجميل عندما كانت كلمات الأغنيات لا تزال راقية وقيمة، وليس نادر وحده من ساهم في أن تخرج الأغنية بهذا الشكل الرائع بل الملحن العبقري وليد سعد الذي تعجبت من كيفية خلقه للحن يخطفك حين سماعه إلى أيام السبعينات وما قبلها رغم أننا في 2015 وفي عهد الموسيقى الـPOP والـJazz والـRock، وبالتأكيد لم يكن يتوفر هذا للأغنية إلا بمساهمة الموزع الماهر خالد نبيل الذي ساعد لحن وليد على أن يخرج بهذا الشكل.

نادر عبد الله

اعجابي بالأغنية جعلني أُسمعها للزميلة رئيسة التحرير نضال الأحمدية فور لقائي بها، ولازلت أذكر مدى تأثرها بالكلمات للدرجة التي أدمعت فيها عيناها فور غناء شيرين لمقطع (يا مفارق مسيرك تتفارق بغيرك، ويتصفى الحساب، يا مهموم وشايل على كتفك حمول، إلقى لك بدايل وإنسى دول بدول).

(على مين الملامة) أغنية ذات قيمة ومعنى، أداء شيرين التي لا يختلف على إحساسها وصوتها أثنان زاد من جمال الأغنية وجعلها تستطيع منافسة أغنيات الزمن القديم وهو الأمر الذي يعد أصعب كثيراً من منافسة أغنيات “اليومين دول” التي أصبح أغلبها يحمل كلمات تفاهه لا معنى لها ولا قيمة سوى أنها تتماشى على الجمل اللحنية.

الأغنية الثانية التي كتبها نادر هي (لسة في أمل)، والتي تعتبر من أجمل الأغنيات التي قُدمت خلال السنوات الماضية، والتي جاء اختيار المخرج محمد شاكر وفريق العمل لها كي تكون آخر مشهد في الحلقة الأخيرة من (طريقي) أمراً غاية في الذكاء.

شيرين عبد الوهاب

كنت اقتربت أن أسلم إلى حقيقة عدم وجود شاعر يستطيع أن يكتب مثل هذه الكلمات العميقة التي تعطي جرعات مكثفة من الأمل نحن في أشد الحاجة لها.

نادر استطاع أن يقنعنا بوجود أمل في كل شيء بالحجج والبراهين في أغنية لم تصل مدتها إلى أربع دقائق،أنها من المرات القليلة التي أرى فيها شاعراً يخاطب الجمهور بالمبررات ويحاول أن يقدم كلمات تصب في مصلحة الفن الهادف.

في الأغنية يقول عبد الله أجمل الكلمات وأصدقها على الإطلاق: (لسة في الأيام أمل مستنينه، طول ما في الأيام في ناس عايشين عشانها، لسة للأحلام بقية مكملنها طول ما في إحساس قلوبنا مصدقينه، طول ما في قدامنا سكة يتمشي لها وأما تنزل دمعة لاقين ناس تشيلها، طول ما لسة العمر بيصالح سنينه، طول ما لسة في ناس بندفى بحنانها والحاجات الحلوة واخدين بالنا منها، والحكايات الحب لسة بنقرأ عنها، طول ما لسة الليل في عشاق سهرانيه).

كلمات (لسة في أمل) جاء اللحن والتوزيع ليؤكدا على معناها ويجعلاها تلمس قلوب المستمعين بشكل أكبر، وكعادته المبدع وليد سعد قدم للأغنية أجمل لحن يتماشى مع الكلمات، واستطاع الموزع خالد نبيل أن يؤلف موسيقى تليق بأجواء الكلمات واللحن.

المبدع الثاني وبطل أعمال شيرين الغنائية في (طريقي) كان أمير طعيمة الذي كتب كلمات (صح) و(كدة)، و(حاسة بيأس)، واستطاع أن يُبكي الآلاف بكلماته في (كدة) التي ودعت بها شيرين شقيقها ضمن أحداث المسلسل.

أمير طعيمة

ليس أصدق من أمير حينما كتب (كنت روحي لما كان جوايا روح، عمري ما اتخيلت أنك يوم تروح، مش فاضلي مني غير حبة جروح) وهي الجملة التي لا يوجد أحد منا لا يشعر أنه يريد أن يقولها لأعز أحبابه الذي فارق الحياة.

صدق طعيمة كان في بساطة كلماته التي لمست القلوب وأبكتنا، فهو قدم السهل الممتنع ولم يعتمد على كتابة جمل معقدة ليترجم ما يشعر به كل شخص عانى من فقدان غالي عليه.

أمير طعيمة

تألق أمير لم يقتصر على ابداعه في (كدة) بل استطاع أن يقدم واحدة من أجمل أغنيات المسلسل وهي (صح) التي كتب فيها (صح أنا صح؟ ولا أنا موهومة وهاصحى بجرح ماترد … معقولة تكون قررت البعد؟ متقولش! لو كنت هتمشي متتكلمش! متقولش! احسن لي ساعتها أن أنا مفهمش) هذه الجملة تحديداً تؤكد على ضرورة أن نلجأ في بعض الأحيان لعدم استعجال المستقبل ومعرفة ما سيجري به، فإذا نحن الآن نعيش لحظة سعادة لمّ نفكر في احتمالية أن نعيش الحزن غداً؟

أمير ليس جديداً عليه الإبداع وكذلك نادر، ولكن يبدو أن (طريقي) كان وجهه خير على كل من شارك به، فالجميع دون استثناء قدموا أفضل ما لديهم، واستطاعت شيرين بهذا العمل أن تقدم مجموعة أغنيات قد يصعب على نجوم كثر تقديم مثلها في ألبوماتهم التي يستمرون في الاعداد لها سنوات طويلة.

دينا حسين – القاهرة

Copy URL to clipboard

شارك الموضوع

Copy URL to clipboard

ابلغ عن خطأ

لقد تم إرسال رسالتك بنجاح

نسخ إلى الحافظة

أدخل رقم الهاتف أو بريدك الإلكتروني للإطلاع على آخر الأخبار