• فيروز وأم كلثوم رائدتا الأغنية الجنسية
فيروز: وأنا هربت من الشبّاك/وجيت لعيد العزابي
فيروز: وأنا هربت من الشبّاك/وجيت لعيد العزابي

مع انتشار الأغنيات «الزُقاقية» وأغاني الـ«كباريه» المُهينة تارةً، والفاجرة طوراً، ومع كثرة (الواوا) والـ(ولّعني) والـ (حط النقط ع الحروف قبل ما نطلع سوا عالروف) والـ (عو) وغيرها التي لا تصلح حتى لبيوت الدعارة المرخّصة، صرنا ومنذ فترة طويلة في المكتب، كلٌ منا يضع الـHeadphone مع الـiPod ليسمع ما يريد، وليس ما يريد التاجِر الفاجِر.

ولحصانة إضافية، قمنا بوضع نظام خاص، حيث يتوزّع الصوت الرئيسي على كلّ أرجاء المكتب بأقسامهِ وغرفهِ، فيسمح لنا جميعاً بالإستماع إلى الأغنيات والموسيقى التي نختارها، لأننا نفهم مثلكم، أنّ الصوت يؤثِّر فينا ويتحكَّم بجهازنا العصبي، فننتج أحسن أو أسوأ، نسبة إلى ما نسمع.

وإننا نقاطع كل الإذاعات التي تفرض علينا الأغنيات التي تقبض لتذيعها، وتقبض من المغنّين طبعاً الذين يريدوننا من أتباع نتاجاتهم القذِرة، ولا من رقيب لا من (مجلس وطني للإعلام)، ولا من أي جهة مهمّتها تصنيف المقبول من القاتِل.
والمحطات الإذاعية اللبنانية تسرق نجوم الغناء الحقيقيين، و«تشبِّح» عليهم، وعلى عين القانون الذي يُجرِّم هذا الفعل. لكن لبنان مسموحة فيه كل أنواع الجريمة الثقافية.

تقبض الإذاعات من الفنانين مبالغ طائلة، مقابل بث أغنياتهم بكثافة، وعندما تنتهي المدة الزمنية للعرض، تُخطف الأغنية عن الأثير، ويموت المستمع ولا يسمعها، إلا في حال عاد ودفع صاحبُها، لأن المغنّين «بالقوة» يدفعون أكثر، والضحايا نحن.

ونحن المستمعون نبحث دائماً عن الأغنية الراقية والشقيّة في آن، والتي تحملنا إلى أجمل الذكريات الحميمة، أو التي تُثير فينا إحساساً رفيعاً، خليطاً ما بين الشقاوة والجرأة والعشق والخَفر، لكن بما لا يسيء إلى أرواحنا، وهي القناة التي تزوِّد القلب والعقل بالعسل المطلوب.

وحين نسمع أغنيات الصدور والمؤخّرات فكي نعرف ماذا يحدث على الساحة، أي من قبيل الرصد المهني لا الإهتمام الوجداني.

الست فيروز والست أم كلثوم هما الرائدتان في عالم الأغنية العربية الجريئة والتي تضمَّنت إيحاءات جنسية غير مباشرة، وجدانية لا خليعة، أي تُثير فينا الرغبة والحنين لا الغرائِز.

كوكب الشرق أم كلثوم
كوكب الشرق أم كلثوم

السيدة فيروز غنَّت (أهواك) وتقول فيها: (أهواك بلا أملِ، وعيونك ترسمُ لي، وورودك تغريني بشهيّات القُبَل).

تجرأت فيروز بتواطؤ سريّ مع الكبير زكي ناصيف، وأعلنت أمام الجميع رغبتها بتقبيل حبيبها، وأنشدت رائعتها:

(لما عالباب يا حبيبي منتودّع/ بيكون الضوّ بعدو شي عم يطلع /بوقف طلِّع فيك/وما بقدر إحكيك/وبخاف تودّعني وتروح وما ترجع).

جرأة هذه الأغنية تكمن في المعاني الرمزية المختبئة خلف صورة حبيبٍ ترك منزل عشيقته خلسة قبل طلوع الفجر، فهل كانا يُشاهدان التلفاز مثلاً؟

كما غنّت الست فيروز: (هالأوضا وحدا بتسهر/ وبيوت الأرض بتنام/وتحت قناديل الياسمين/إنت وأنا مجانين).

وهنا رمزية المعنى تصيب دائماً الوتر الحسّاس، وتشطح بخيال المستمِع إلى عالم الإحساس، بمعناه الأسمى لا الأدنى.وغنّت:

(الأوضا المنسيّة والعليّة مشتاقة/ ع حب وهمّ جديد/ فيها طاقة والطاقة مفتوحة للتنهيد/ يا أوضة زغيرة، زغيرة فيها بحبّي تلاقيت/ تعباني وبدّي حبيبي/حاكيني الله يخلّيك). وغنّت:

(إمّي نامت ع بكير/وسكَّر بييّ البوابة/ وأنا هربت من الشبّاك/وجيت لعيد العزابي/ وشباكي بعدو مفتوح/والبرداية عم بتلوح/إن عرفوا بغيابي/أهلي يا دلّي وين بدّي روح/ يا ورد العايش بالطول/ وبتضلّ بحالك مشغول/ شوكك بتيابي علّق/ هلأ لإمي شو بقول).

ما أجمل فيروز التي أفهمتنا المعنى المراد دون أن يرفّ لنا جفن، فاستباحت المحظورات، وأخطأت مع حبيبها في مكان ناءٍ، وأنهَت الأغنية بـِ: (يا دلّي، وين بدّي روح).

السيدة أم كلثوم غنَّت (الأطلال) قائلة :

(الست أنساك وقد أغريتني/بفمٍ عذبِ المناداةِ رقيق/ ويد تمتد نحوي/كيدٍ من خلال الموج مُدّت لغريق/ (…) أعطني حريتي أطلق يدي/ إنني أعطيتُ ما استبقيت شيئا/(..) وأنا حبٌ وقلبٌ هائم/ وفراشٌ حائر منك دنا/ومن الشوق رسول بيننا ونديم قدم الكأس لنا).

يا الله يا ست، ما زلنا نصرخ كما كانوا منذ منتصف القرن الماضي! وغنّت (هذه ليلتي) وقالت فيها:

(هذه ليلتي، وحلم حياتي، بين ماضٍ من الزمان وآتٍ، الهوى كلّه أنت والأمل، فاملأ الكأس بالغرام وهاتِ).

كذلك رائعتها (رباعيات الخيام) والتي اتهموها فيها بالكفر حيناً وبالإيحاء الجنسي أحياناً وتقول فيها:

(أطفئ لظى القلب بشهد الرضاب). والرضاب هو اللعاب، وقصدت هنا القبلة الفموية. وتتابع: (لبست ثوب العيش لم أُستَشر)، فاتهموها بالكفر، لأنّ الله لم يستشرها عندما خلقها. وتجرأت حين غنّت (الخلاعة والدلاعة) وكان ذلك في أول حياتها العام ١٩٢٦: (الخلاعة والدلاعة مذهبي/من زمان أهوى صفاها والنبي/لما يخطر يجي عندي بمشيتو/تلقى قلبي له يميل من فرحتو/شوف دلالو ولا قدو وطلعتو/يفرح الناس كده والنبي).

وأم كلثوم قدّمت هـذه الأغنية لتنافس منيرة المهدية التي كانت تغنّي هذا الأسلوب الغنائي، وطالبها حينها الشيخ أبو العلاء محمد وعدد كبير من زملائها بسحب الأسطوانة من السوق، إلا أن عدداً كبيراً من محبّيها أعجِب بالأغنية، فأبقتها.
هل أعظم من فيروز وأم كلثوم وقد غنّتا الحب بكلّ أبعاده، وجلست كلٍ منهما على العرش، فأطاحتا بالعيب المفترَض، لأنهما لم تتوسَّلا الربح، ولم تتاجرا بعواطف الجماهير، ولم تنبشا غرائز حيوانية لمجتمعاتٍ بأكملها.
ومن الجُدد الذين غنّوا بجرأة حميدة هم:

  كاظم الساهر
كاظم الساهر

كاظم الساهر الذي غنّى للراحل الكبير نزار قباني، كما في أغنياته التي تعامل فيها مع الشاعر الكبير كريم العراقي، فلامس كلّ الجرأة بسلاسة تشبه أغنيات زعيمتَي الأغنية العربية: فيروز وأمّ كلثوم. في أغنية (دلع النساء) من ألبومه الأخير، وفي الأغنية ذاتها يقول: (محبوبتي أنت الشجر وأنا المطر، لولا جميل عناقنا لما كان في الدنيا ثمر، نحن في أحلى مكان، وثالثنا الحنان، من أين يأتي النوم، همس يذيب الصدر ووسادة كالجمر، من أين يأتي النوم). يكاد يكون هذا المقطع جنسيّاً بأكمله، ولكنه من أجمل وأرقى جنس.
ونجوى كرم، الأجرأ الآن على الساحة بين نجمات جيلها، تداعب أحاسيسنا بأبهى الصور التي ترسمها، وهذا هو سرّ نجاحها وبقائها بين منافساتها من اللواتي يتمرَّغن على الأفرشة، فعندما غنّت: (خليني شوفك بالليل، الليلة بعد الغروبي، مش عيب الملقى بالليل، الليل بيستر العيوبي) داست على التقاليد الهشّة غير المفيدة، إلا للعقول الصدئة، وناشدت حبيبها لتلتقيه في عتم الليل، لكن نجوى غنّت بخوف، ولم تجرؤ بعد لتذهب إلى مستوى الكبيرتَين فيروز وأم كلثوم، وهي إن أرادت أن تثري مسيرتها والمكتبة الموسيقية، فستقفز فوق رخيصي الفكر، وسترتقي لتدخل التاريخ من بوّابة الأغنية الطربية الشعبية، التي تُغنّي حقيقة أسرارنا.

نجوى كرم في واحدة من أجمل إطللالاتها
نجوى كرم في واحدة من أجمل إطللالاتها

وانتصرت نجوى بالكلمة الجريئة من خلال: (ما في نوم بعد اليوم إلا جنبك حبيبي) التي حملت رسائل مباشرة، إلا أنها لم تخدش حياءنا. كلُّ روّاد الأغنية الحقيقية يقدّمون الكلمة الجريئة والنظيفة في آن، لأنّ الجمهور «عاوِز كده»، ولأننا متأكّدون من حقيقة واحدة، وهي أنّ ثلاثة أرباع الشعب العربي، على أقل تقدير، بات أوعى من «كم سنة مرّت بفجور» فيبحث عن غناء يحترمه برقيّهِ المقرون بالجرأة والمشاغبة في آن، لا عن بائعة هوى تغنّي له، ولا عن أغنية فضائحية جنسيّة.

الكلمة إما تخدش الحياء وتطعن بشرفنا، وإما تداعب وجداننا الذي زرعه فينا الله رحمة بنا، والفرق كبير بين تاجر فاجر، وفنان يعيش لأجلنا، ويشدو فينا ولنا.

ملاحظة: هذه المقالة كتبتها في العام 2014  وأعيد نشرها لأن فارس كرم  استعار منها ما لم يمكنه من الدفاع عن نفسه خلال لقائه مع وفاء الكيلاني ولا هو ذكر المرجع الذي استعان به فاستخفوا به.

  نضال الاحمدية Nidal Al Ahmadieh

Copy URL to clipboard

شارك الموضوع

Copy URL to clipboard

ابلغ عن خطأ

لقد تم إرسال رسالتك بنجاح

نسخ إلى الحافظة

أدخل رقم الهاتف أو بريدك الإلكتروني للإطلاع على آخر الأخبار