• أبرز واضعي شرعة حقوق المرأة هم من الرجال
  •  كلّما تأزّمت الأوضاع الإقتصاديّة والاجتماعيّة أُصيب الرجل بإحباط كبير تدفع المرأة ثمنه تعنيفًا لها
  • ارتفاع مستوى هورمون الذكورة (تيستوستيرون) يولّد سلوكًا عدائيًّا

دكتورة علم النفس الدكتورة بولا حريقة
دكتورة علم النفس الدكتورة بولا حريقة

* رغم كل المحاولات والندوات المحليّة والعالميّة والحركات الداعية إلى إحقاق حقوق المرأة، لا يزال هناك عنف يمارس ضدّ النساء، لماذا؟

– لأنّ الرجل، في أي مكان في العالم، لا يزال مسيطراً على مختلف المستويات الأسريّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة والسياسيّة ما يعني أنّ العقليّة السائدة إلى اليوم هي عقليّة ذكوريّة بامتياز، إلى حدّ أنّ أبرز واضعي شرعة حقوق المرأة هم من الرجال. إضافة إلى تصميم واعٍ من قِبَل الرجال على عدم التخلّي عن امتيازاتهم التي تمتّعوا بها على مرّ العصور، ومنها الشعور بالتفوّق على كائن لازمته صفة الجنس الضعيف من دون أن يتنبّهوا إلى أنّ التفوّق يستلزم مبارزة متفوّق آخر لتجوز المنافسة. من جهة أخرى، بيّنت الدراسات وجود علاقة بين العنف الاجتماعيّ والاقتصاديّ والسياسيّ وبين تعنيف المرأة، إذ كلّما تأزّمت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، أُصيب الرجل بإحباط كبير تدفع المرأة ثمنه تعنيفاً لها. وكلما كانت السياسة المتّبعة من قِبَل الدولة قمعيّة، ارتفعت نسبة النساء المعنّفات فيها، لأنّ حرمان الرجل من حرية التعبير وتعرّضه لشتّى أنواع القهر والتعذيب، سيجعل منه عرضة للخوف وعدم الاتّزان والاستقرار النفسيَّين فيلجأ بالتالي إلى استخدام وسائل دفاعية سلبية كالعنف ضد المرأة وأفراد الأسرة، أي إلى ردّ فعل إسقاطيّ على الكائن الأضعف منه انتقاماً لجسده الذي انتُهك ضرباً، وانتقاماً من ضعفه الذي منعه من الدفاع عن نفسه. وكلّما مارست دولة ما العنف ضدّ دولة أخرى تمثّل رجالها هذا العنف ضدّ نساء الدولة المستضعفة إهانةً وإذلالاً واعتصاباً. ومن الأسباب أيضاً، مطالبة المرأة بالطاعة للذكر وإجبارها على التكتّم خوفاً على العائلة من التفكك، والقوانين العربية والعالمية التي ما زالت مجحفة بحق المرأة. كلّ هذا ساهم، بتكريس ظاهرة العنف التي بات من الأفضل تسميتها بثقافة عالميّة لم تنفع في محوها أو تغييرها كلّ محاولات إحقاق حقوق المرأة.

* ما الأسباب البيولوجية، التربوية والنفسية التي تدعو الرجل إلى تعنيف المرأة؟

– على الصعيد البيولوجي، تبيّن أنّ جزءًا من المخّ المتخصّص بالعواطف يسمّى Amygdala يحتاج إلى أن يُستثار منذ الطفولة بكل أنواع العواطف الإيجابية، وبالتالي فإن عدم استثارته يؤدي إلى ضموره وإلى نمو السلوك العدائي. كما لوحظ أيضاً أنّ ارتفاع مستوى هورمون الذكورة «تيستوستيرون» يولّد سلوكاً عدائياً. وهذان السببان قد يؤديان بالرجل إلى القتل إذا كان تحت تأثير الكحول أو المخدّرات.

* وفي التربية، إلى أي مدى يؤثر التمييز بين الجنسين إلى تنامي العنف ضد المرأة؟

– يؤثر ذلك إلى درجة بعيدة.. فالتربية الذكوريّة التي تفرّق بين الذكور والإناث، منذ الولادة، تلعب دوراً مهماً في تكريس مفهوم التمايز بين الجنسَين نفسياً وجسدياً، وتتبلور من خلال إجبار الأنثى على الرضوخ لوالدها وأخيها وخدمتهما، الأمر الذي عزّز فوقيّة الرجل ودونيّة المرأة حتى تثبّت في ذهن الرجل أنها ضعيفة، وأن سلوك السيطرة والتحكم بأفراد الأسرة وتعنيفهم دلالة على الرجولة. من هنا يُعتبر هذا التفريق المولّد الأوّل والأساسيّ للعنف إذ أنّ العنف المعنوي والنفسي الذي يتشبّع الذكر مفاهيمه من خلال التربية المذلّة للمرأة واحتقارها واستصغارها أشدّ خطورة من العنف الجسدي. لذلك ارتبط مفهوم العنف ضد المرأة بمفهوم الرجولة في المجتمع الذكوريّ.أما السبب الثاني فهو أن الفرد الذي يعيش في كنف والد عنيف أو والدَين عنيفَين لا بد له من أن يقتبس هذا السلوك لأن العنف ليس فطرياً.

* ما هي الأسباب النفسيًّة للعنف؟

– هي متعدّدة، نذكر منها الأكثر شيوعاً:
الحرمان العاطفي والمعنوي مضافٌ إليهما الحرمان الماديّ من جانب الأمّ أو الأب أو كليهما يشكّل حافزاً لنموّ سلوك العنف نظراً لِما يتركه هذا الحرمان من آثار عميقة ذهنياً ونفسياً وبيولوجياً، بحيث يؤدّي الحرمان إلى عدم انتظام الإفرازات الهورمونيّة وبالتالي إلى مضاعفة التوتر الذي يجد متنفّساً له في العدوانية والعنف.
ولأنه تعرّض، في بعض مراحل حياته أو كلّها، للإهانة والحطّ من قيمته وقدره، يلجأ الرجل إلى ضرب الضعيف انتقاماً لنفسه لأنه يكون بذلك يضرب ضعفه؛ أو أن يكون قد عانى الاضطهاد الذي ولّد في داخله الشعور باهتزاز صورة الذات وانعدام القيمة الذاتيّة وجرحاً نرجسياً خطيراً يودي به إلى التفكك النفسي والاختناق لعجزه عن الاحتجاج أو اللانتفاضة على المعاملة السيئة التي تعرّض لها، ويصبح بالتالي مضطهِداً يوجّه عدوانيته إلى الأضعف، لأنه ضعيف الشخصية أمام الأقوياء. لذلك يُسقط على المرأة ضعفه أي أنه لا يضرب المرأة بل يضرب ضعفه من خلالها. لذلك يُعتبر رضوخ المرأة لعنف زوجها مرآة تعكس انكساره أمام الآخرين. ويزاد على ذلك افتقار الزوجَين إلى مهارة الحوار والتفاوض وتبادل الآراء بهدوء.
– عدم الاتّزان النفسي أو الخوف من الآخرين لأسباب متعددة تعود بمجملها إلى طفولته.
ـ الفشل في حياته الدراسية والمهنية ما يولّد العجز عن تحمل المسؤوليات، أو معاناته الضغط والتوتر، فيصبح بالتالي قليل الصبر والحيلة ويتحول إلى العدوانية إما إثباتاً لوجوده للتخلص من عقدة الفشل أو لتنفيس شحنات التوتّر التي تتملكه.
ـ الاحباط الشديد الذي يولّد العدوانيّة والمشاعر السلبيّة التي لا بدّ من أن تجد متنفّساً لها.
ـ إصابة الرجل بما يُسمّى بـ «عقدة كره النساء» بسبب سوء التربية التي تلقّاها في طفولته سواء من أمه أو جدته أو أخواته الأكبر منه سناً، لذلك ينتقم منهنّ بتعنيف حبيبته أو خطيبته أو زوجته.. فضلاً أنّ ابنته لن تنجو من التعنيف أيضاً.
¯ العنف ضد المرأة الزوجة، الأخت، الحبيبة.. ما أنواعه؟
العنف أنواع وأصناف وهي:
– العنف اللفظي والمعنوي اللذان يتضمنان الإذلال الكلامي والشتم والإهانة والكلام البذيء والتهديد بالاعتداء والإكراه وكل ما من شأنه الانتقاص من قيمة المرأة الإنسانية والتقليل من احترامها والحطّ من قدرها.
– العنف الجسديّ ابتداء من الصفعة مروراً بالضرب وصولاً إلى القتل.
– العنف الجنسيّ ابتداءً من التحرش مروراً بالإكراه وصولاً إلى الاغتصاب.
– العنف الاقتصاديّ أي حرمان المرأة من أبسط حقوقها الماديّة أو سلبها راتبها بالقوة.
– العنف النفسيّ وهو الأخطر إذ يرافق كلّ نوع من أنواع العنف السابق ذكرها.

* ما هو تأثير العنف على الأطفال؟
– يختلف التأثير بين الذكر والأنثى، كما يختلف ردّ الفعل تبعاً لنوع العنف الذي يشاهده الأولاد. فيمكن للذكر أن يقتبس العنف البدنيّ عن والده فيصبح عنيفاً تجاه أمه وزوجته وبناته في ما بعد، أو يرفض ما يراه فيتحول إلى عنيف أيضاً لأنه يريد الانتقام من نفسه ليضرب ضعفه الذي منعه من الدفاع عن أمه، أو أن يقتبس العنف المعنوي واللفظيّ من الوالد الذي يشوّه صورة الأم ما يؤدّي لرفض أوامرها والتطاول عليها مثلما يفعل الأب.
أمّا الفتاة فيمكن أن تقتبس الانسحابيّة والخضوع وتصبح صورة ممتدّة للأمّ، أو أن تكره الرجل وبالتالي تكره الزواج، أو أنّها ترفض جنسها كأنثى وتتمثّل السلوك الذكوريّ لتصاب حياتها العاطفيّة والجنسيّة بالضرر أيضاً.

* هل من علاج للمعنِّف والمعنَّف؟
– بالطبع وهو دقيق للغاية لأنّه يمسّ بثقافة المجتمع الذكوري، لذلك يتطلّب وقتاً طويلاً وصبراً ومتابعة، وهو يختلف أيضاً بين الرجل المعنِّف والمرأة المعنَّفة. فبالنسبة للمرأة يتوجّب دعمها نفسياً لمساعدتها في إعادة بناء هيكل شخصيّتها المهدّم لتستعيد ثقتها بنفسها، ولتعزّز هذه الثقة بوسائل دفاعيّة نفسيّة تمكّنها من تجاوز مرارة المعاناة وتحصينها بالمقاومة النفسيّة لتنتقل من مرحلة الرضوخ والانسحابيّة إلى المواجهة بأسلوب سليم وليس بالردّ على العنف بالعنف، وتطوير مهاراتها لتتمكّن من الاعتماد على نفسها مادياً لأنّ عدم الاستقلال الماديّ يجبرها على الرضوخ والاستسلام.

* وعلاج الرجل.. كيف يكون؟

– بالنسبة للرجل، يجب في البداية إخضاعه لعلاج نفسيّ لتصفية صراعاته وتطبيق نظريّة «امتصاص العنف بالعنف»، إذ كلما تجلّت في وعيه أزمة نفسيّة مزمنة جعلت منه عنيفاً. لذا، سيكون من الضروريّ مواجهتها بتحويل السلوك العنيف السلبيّ إلى إيجابيّ بأساليب مختلفة يتمّ تطبيقها في العيادة النفسيّة، إلى أن يُصار بعد ذلك إلى تكليفه بأعمال تتطلب قوّة بدنيّة تساعده في تصريف شحنات الغضب كممارسة أنواع معيّنة من النشاطات الرياضية، والعمل على تغيير نظرته إلى المرأة ككائن وإنسان.

نضال الاحمدية Nidal Al Ahmadieh

Copy URL to clipboard

شارك الموضوع

Copy URL to clipboard

ابلغ عن خطأ

لقد تم إرسال رسالتك بنجاح

نسخ إلى الحافظة

أدخل رقم الهاتف أو بريدك الإلكتروني للإطلاع على آخر الأخبار