• لا يهدأ ولا يتوقّف عن الحركة.. لذا لا يوظّف إلاّ الأشخاص القادرين على مجاراته!
  • لا يعرف الحبّ ولا الرحمة ولا التسامح.. بل الضغينة
  • كاذب بامتياز.. شديد الحساسية تجاه أيّ نقد
  • يشكّ البارانويي بأقرب المقرّبين منه!
  • يخفي سمات شخصيته تحت شعارات الطيبة والمحبّة
  • مجنون العظمة فوضويّ.. يعجز عن التقيّد بنظام محدّ
  • يعتبر نفسه فوق البشر قدرة وقوّة ومكانة!
الباحثة والاختصاصية في علم النفس د. بولا حريقة
الباحثة والاختصاصية في علم النفس
د. بولا حريقة

كيف يعرّف علم النفس إضطراب جنون العظمة؟

– جنون العظمة أو جنون الاضطهاد هما المصطلحان الشعبيّان لِما يُعرف علمياً بأنّه وجه من أوجه البارانويا أو الشخصيّة الزورانيّة.. وهو اضطراب عقليّ يتميّز بوجود نسق من الاستنتاجات المنطقيّة في نظر المصاب وغير المنطقيّة والمبرّرة في نظر الآخرين.. يرى في أيّ ملاحظة أو إشارة أو عمل أو سلوك أو موقف ازدراءً به، فيحذر الكلّ ويتولّد في داخله صراع يتحوّل إلى خارجي، يدفع به إلى البحث عن أسلوب لتعويض ذلك، يُترجم من خلال جملة من السلوكيّات، التي تساعده على تصفية الصراع ومشاعر الدونيّة: منها العدوانيّة، إلحاق الأذى بالآخرين، الشعور بالغرور والكبرياء، العجز عن النقد الذاتيّ أو محاسبة النفس، الميل إلى السيطرة والاستعراض وفرض الرأي، المغالاة في حبِّ الظهور للشعور بالأهميّة الذاتيّة والتفوّق والعظمة، حتّى إذا تحقّق له ما يريد تخيّل أنّه العظيم والعليم بكلّ الأمور..

كيف يتعامل المحيطون بشخصٍ يعاني من جنون العظمة معه؟

– بالرغم من أنّ التعامل مع حالة مماثلة صعب للغاية، إلاّ أنه ليس مستحيلاً.. بل يجب الأخذ بالاعتبار أنه إنسان مريض يتطلّب معاملة دقيقة وخاصّة تتضمّن تعزيز ثقته بمحيطه، والعمل على أن تسير الأمور بوضوح تامّ لئلا يفسِّرها على عكس حقيقتها، فيتوهّم أشياء قد تثير غضبه وعدوانيّته.. بل من الضروريّ التنبّه إلى خطورة التقليل من شأن المصاب بالبرانويا أو حتى محاولة تحقيره أو نقده أو لومه.. ومن الأفضل تحاشي نقده بشكل مباشر وجارح، واعتماد الدبلوماسيّة لتمرير رسالة نقديّة بذكاء وبشكل غير معلن أمام الآخرين، ومن ثمّ استدراجه إلى النقاش والحوار مع القليل من الإطراء.

أدولف هتلر كلن مصاباً بجنون العظمة
أدولف هتلر كلن مصاباً بجنون العظمة

لمَ نطلق على المريض بجنون العظمة هذا اللقب؟ هل السبب هو تضخم الأنا لديه؟

– أن يستحقّ الفرد لقباً، يعني أنّه قام بعملٍ على جانبٍ كبيرٍ من الأهميّة في ميدان من ميادين الحياة.. لكن استحقاق لقب «جنون العظمة» هو من صنع المريض نفسه، لأن تضخم الأنا، نتاج محاولة لمحو الصورة السلبية عن الذات التي عانت بسبب الظروف الماضية، وبالتالي تشعر الأنا المتفوّقة أنها لا تنتمي إلى «أنا» العاديين.. فتتضخّم حتى العظمة الباراناويّة.

كيف تنعكس حالة مريض جنون العظمة على إدراكه، سلوكه وتفكيره؟

– اضطراب الإدراك، بحيث لا يرى المريض الأمور في حجمها الطبيعيّ بل من خلال تصوّراته الذاتيّة فتأتي أحكامه وقراراته مضطربة:

اضطراب في التفكير يتبلور من خلال اعتقاد وهميّ بأنّه معصوم عن الخطأ لأنّه الأفضل والأذكى وهذا ما يمنعه من الاستفادة من آراء الآخرين وخبراتهم.

اضطراب في السلوك يظهر في العناد والغلوّ والتعالي واحتقار الآخرين ومحاولة تحطيم «أناهم» لتكبر في المقابل «أناه» هو.

يخفي سمات شخصيته تحت شعارات الطيبة والمحبّ
يخفي سمات شخصيته تحت شعارات الطيبة والمحبّ

ما هي سمات اضطراب جنون العظمة؟

يمكن تفصيل سمات هذه الشخصيّة كالتالي:
– مشغول بنفسه وبعظمته إلى درجة تأليه الذات، يتّضح الشعور بأهميّته الذاتيّة المفرطة في تفسير الأشياء من خلال الذات، يبتكر أدواراً تتطلّب شخصاً يتمتّع بقدراته لتعزيز الهالة الوهميّة التي يحيط نفسه بها، يعتقد أنّه الأذكى والأقوى ويُلصق بنفسه جميع الفضائل والمزايا، يعتبر نفسه كائناً من كوكب آخر.
– يعتبر المصاب بجنون العظمة أنّه مضطهد بسبب عظمته وأهميّته وذكائه، وينسى أنّ معاناته الاضطهاد هي التي زرعت في داخله كراهية للجميع وميولاً عدوانيّة، تتبلور من خلال النقد اللاذع والسخرية من الآخرين، واحتقارهم وسحقهم كردّة فعل لحماية نفسه..
– في العمل، لا يهدأ ولا يتوقّف عن الحركة،، لذا لا يوظّف إلاّ الأشخاص القادرين على مجاراته في نشاطه فيستنفد طاقته وطاقتهم في أعمال لا تحتاج إلى كلّ هذه الجهود المبذولة، وذلك بسبب فوضويّته وعجزه عن التقيّد بنظام محدّد يمكن استثماره بشكل مدروس.
– متسرّع للغاية، يوصله حماسه اللامنطقيّ إلى ارتكاب الأخطاء ولا يقرّ بها لأنّه يعتبر نفسه معصوماً عن الخطأ، لذا لا يقبل النقاش.
– شكّاك بامتياز وبارع في تأويل الكلام الذي يبحث فيه عن النوايا السيّئة ومحاولات الغدر والخيانة.
– يعجز عن التفاعل مع مَن لا يقدّم له الولاء التامّ ويبهره بالإطراء ويعترف بتفوّقه وعظمته.
– يشكّ في ولاء الآخرين وميولهم وتصرّفاتهم كوسيلة دفاعيّة نفسيّة.. ردود أفعاله عنيفة أو غير متوقّعة ولا تتناسب مع المواقف.

كاذب بامتياز.. شديد الحساسية تجاه أيّ نقد
كاذب بامتياز.. شديد الحساسية تجاه أيّ نقد

– لا يعرف الحبّ ولا الرحمة ولا التسامح، بل الضغينة والحقد، ولا يصفح إذا تعرّض للإهانة أو الاستخفاف بقدره وقيمته، إنّما يُظهر عدم اكتراث حتّى تتهيأ له الظروف المؤاتية للردّ والانتقام.
– يفتقد إلى الحسِّ الأخلاقي، لذا لا يتحمّل مسؤولية أيّ سلوك لا أخلاقي ضد الآخرين.
– كاذب بامتياز، شديد الحساسية تجاه أيّ نقد، مكابر وعنيد، ولا ينفع التودّد إليه أو التقرّب منه.
– لا يتورّع عن إجبار أيّ كان على الدخول في علاقة جنسيّة معه.
– يخفي سمات شخصيته تحت شعارات الطيبة والمحبّة والتسامح والإيمان والعدالة والمساعدة التي تزيد صورته لمعاناً وتضاعف عظمة النفس والشعور بالأهميّة والتفوّق.
– هل مرض جنون العظمة معدٍ؟ هل يُصاب به المقرَّبون للمريض؟
– ليس معدياً بالمعنى المتعارف عليه للعدوى، بل هو يُكتسب بفعل التمثّل والتواصل مع شخصٍ مصاب عندما تتهيّأ الظروف الوراثيّة، النفسيّة، التربويّة والاجتماعيّة.

يعتبر نفسه فوق البشر قدرة وقوّة ومكانة!
يعتبر نفسه فوق البشر قدرة وقوّة ومكانة!

ألا تجدين أنّ علاج المصاب بجنون العظمة مسألة صعبة وتتطلّب وقتاً طويلاً وجهداً؟

– تكمن الصعوبة الأساسيّة في عدم اقتناع الشخص بأنه مريض، لأنه يعتبر نفسه فوق البشر قدرة وقوّة ومكانة، لذلك نادراً ما يصل إلى العيادة النفسيّة إلا مدفوعاً من قبل أقرب المقرّبين إليه، بعد تطوّر حالته بشكل دراماتيكيّ ودخوله مرحلة خطرة ومتقدّمة من المرض.. عندئذ، يبدأ العلاج الطويل والدقيق والذي يتطلّب الجهد والصبر.

إلى أين يمكن أن يصل خطر هذا المرض؟

– إلى أمرَين: إما القتل لوجوده الدائم في حالة دفاع مرضيّ عن النفس، أو الانتحار عند الإحساس الفعليّ بالهزيمة الكبرى التي تقضي على صورته وعظمته.

لا يعرف الحبّ ولا الرحمة ولا التسامح.. بل الضغينة
لا يعرف الحبّ ولا الرحمة ولا التسامح.. بل الضغينة

ما هي أسباب الإصابة بهذا الاضطراب؟ تربويّة؟ أسريّة؟ وراثيّة؟ أم ذاتيّة في تركيبة النفس لدى المريض؟

– لهذا الاضطراب علاقة بالوراثة، إذ بات محسوماً علمياً انتقال بعض الصفات الشخصيّة للأب والامّ إلى الأبناء..

 أسباب أسرية:
وهي أن يكون الاضطراب مكتسباً بفعل التمثّل بسلوك الوالدَين أو أحدهما، أو أن يكون الفرد قد عاش منذ طفولته الأولى أجواء أسرية مليئة بالبطولات والتراث المتعالي على الآخر، لكنّه إذ يكتشف المغالاة والكذب، يجد نفسه محتقراً أو يعيش أجواء تفتقر إلى المثال الأعلى البطولي.. فيبتكر مجداً وهمياً يحاول من خلاله أن يرفع ذاته من دونيّتها انتقاماً وتعويضاً.

 أسباب بيئيّة، اجتماعيّة واقتصاديّة:
– سوء المعاملة والفقر، والاضطهاد وما يرافقه من إذلال وتحقير وتهميش وشعور بالدونيّة.. وقد بيّنت الدراسات أنّ الاضطهاد الممارس ضدّ الفرد يدفعه إلى التوحّد بالمضطهد حتى إذا توفرت الظروف الملائمة لتفريغ الكبت المزمن، الناجم عن عجز الفرد عن الدفاع عن نفسه، كالوصول إلى مركز سلطة أو قيادة.

نضال الأحمدية Nidal Al Ahmadieh

Copy URL to clipboard

شارك الموضوع

Copy URL to clipboard

ابلغ عن خطأ

لقد تم إرسال رسالتك بنجاح

نسخ إلى الحافظة

أدخل رقم الهاتف أو بريدك الإلكتروني للإطلاع على آخر الأخبار