أرى أن ظروف سوريا تختلف عن ظروف العراق وليبيا، وموقف الدول الكبرى اتجاه ما يجري في سوريا، تختلف عما كانت عليه في العراق وليبيا، وتحديداً الموقف الروسي، وإن تعامل روسيا مع الشأن السوري، يختلف تماماً عن تعامل الذي كان في ما خص العراق وليبيا، لأن روسيا دفعت الثمن في العراق وليبيا ولا تريد أن تكرر الخطأ نفسه في سوريا.

من هنا نرى تشدد الموقف الروسي، فيما خص الأزمة السورية، وأرى أن كل هذه المعطيات، تؤشر إلى أن الوضع معقد إقليمياً ودولياً، وعلى أهل الصراعات الميدانية، وفي الكواليس السياسية أيضاً.

وهذا ما ينبئ بأن الأزمة طويلة، والوضع خطر في المنطقة، وعلى الصعيد الدولي وبشكل عام، لكن أعتقد في المقابل أن الوصول إلى الحلول لا بد أن تمر في مأزق كبير.

* ماذا تقصد بمأزق كبير، أي بأنهار من الدم؟

– قد يكون كذلك، نحن نشهد يومياً أنهاراً من الدماء في سوريا واليوم يزداد الأمر خطورة، ويزداد الصراع عنفاً ودموياً، لكن كي نصل إلى حل، لا بد من التأزم السياسي، أو لحظة سياسية محددة، أو شد حبال سياسي كبير، وصولاً إلى تسوية ما. المعروف بأن التسويات الكبرى تعقّدها الدول الكبرى، أي الدول الأساسية، تحديداً القطبين الأميركي والروسي، ولا ننسى دور إيران الأساسي أيضاً.

* قرأت اليوم في الـ Washington Post عن ماذا تملك سوريا من أسلحة كيماوية، وعن إمكانات عسكرية مرعبة تملكها سوريا، وعن قدراتها في ضرب الطيران الأميركي، لماذا الحديث دائماً عن قطبين دبين كبيرين يحكمان العالم، ولا نتحدث عن قوانا نحن؟ مثلاً أين مكان حزب الله؟

– لا نستطيع أن ننظر إلى حزب الله بمعزل عن ارتباطه بالموقف الإيراني، من هنا أقول أن هناك القوى الأميركية والقوي الروسية والقوى الإيرانية والقوى السعودية لأن هذه المحاور هي التي تأخذ القرارات.

* وتركيا! 

– تركيا أرى دورَها أقل من الدول الأربعة، فمن يلعب الأدوار الإقليمية هي القوى الأميركية، الروسية الإيرانية والسعودية، هي دول أساسية في الساحة الإقليمية وفيما خص الأزمة السورية. من ناحية أخرى، وكما قلت فأن الحلول لا تأتي إلا بعد التأزم الكبير إن كان سياسياً أم نظامياً، ونحن خضعنا لها في لبنان ووصلنا إلى الإتفاق، قبل هذا الإتفاق كانت الجبهة مفتوحة في لبنان وصولاً إلى ما سمي بإتفاق الطائف، الذي أنهى الحرب الأهلية وفتح صفحة جديدة. أنا أتمنى أن لا تشهد سوريا الإعوام التي شاهدناها نحن على مدى 15 عاماً.

* أرجو أن لا تلتزم بتصريح حذر كالإعلاميين التقليديين؟

– لا أنا لا التزم المحاذير، بل أتكلم بتجرد، وبكل صراحة، بنظري سوريا تحولت إلى ساحة صراع دولي وإقليمي، وإلى محاور، مثل ما مررنا به نحن منذ 15 عاماً.

* عندما كنا في حرب لـ 15 عاماً فكان القرار عربياً، لكن الصراع الآن في كل المنطقة، يرينا إشارات كبرى مثل تدمير الجيش السوري، كما دُمر الجيش العراقي قبله، وتمر سلسلة التدميرات على أهم الجيوش العربية والدور بدأ على الجيش المصري الذي يتلهى بمصائب الداخل. كل ذلك يؤشر إلى مخاطر لمنطقة ذاهبة إلى الظلام الداكن.

– أكيد، ما تكلموا عنه في البداية على أنه ربيع عربي، تبين الآن وكأنه جهنم عربي مفتوح. هناك تخبط يحصل الآن في كل الدول العربية، الصراعات مفتوحة على كل الإحتمالات.

* وخلالها سيمر مشروع قتل وذبح للأقليات؟

– صحيح هناك تفجير ديمغرافي أيضاً.

* تقسيم سوريا، ما يعني أن هذه الخريطة التي تعرفنا عليها عبر الإنترنت تُنفذ الآن مع أنها كانت "نكتة" في البداية؟

– من فترة، عندما كانت كونداليزا رايس تتكلم على شرق أوسط جديد، كنا نعتقد في البداية، كما قلتِ، أنه نوع من الخرافة أو التهريج.

* إذاً هل تتقسم سوريا؟

– ما يمكنني قوله، بأنني أخاف على مستقبل العالم العربي، هذه الحضارة أو هذه الثقافة العربية، وهذا الشعب الذي وحين نستذكر ماضيه، ونشاهد حاضره، فنتألم حزناً عليه. في وطننا العربي نخالف سُنة الحياة، لأننا لم نتقدم بأي من المراحل، لا بل نحن نتراجع، والمعيب بأن حكامنا العرب وحتى نحن كشعب، لم ولن نتعلم من تجاربنا الماضية، ومن أخطائنا، بل نعيد الأخطاء نفسها دائماً، فنسمح للمؤامرات التي تأتي من الخارج، ولم نحصّن أنفسنا بوجه الرياح التي تعصف فينا، وتغير كياننا وخرائطنا ووجداننا العربي.

* ما تقوله هو وصف دقيق للحالة العربية التي لا تقرأ، لذا التاريخ يكرر نفسه، لكن سأعيد نفس السؤال الذي لم تجني عليه: هل سيتم تقسيم سوريا؟ وهل سينتقل الخراب إلى تفتيت مصر، السعودية، البحرين مع جنوب العراق، كيف ترسم الخارطة حسب رؤيتك؟

– إذا سوريا تقسمت، هذا يعني بأن كل الدول العربية ستشهد التقسيم، لذلك, وعلى "قد قدراتي العقلية" وبتواضع أقول سوريا لن تتقسم، وبحسب إحساسي لا أرى سوريا تتقسم أبداً.

* هل تقول ذلك من منظلق عقلي صافٍ أم عاطفي عربي؟

– المنطق ممزوج بالعواطف، هناك شيء منطقي وهناك ما هو عاطفي.

* بعض الأصدقاء من المحليلين همسوا لي عن تورط أوباما في مرحلة تحكي عن بداية انهيار الإمبراطورية الأميركية، وقالوا إن تورط أميركا في المشرق العربي يُعتبر تهوراً، والبعض ذهب أكثر بكثير، حين قال إن أوباما الأسود جاء ليؤسس نهاية الأمبراطورية الأميركية؟

– لا، لاحظي أين الكلام العاطفي؟ ها هو هنا، إنه كلام تحريضي عاطفي، وهذا لا يعني أنها بداية إنهيار للإمبراطورية الأميركية أو بداية انهيار دولة وقوى عظمى، هذا ليس مجرد قرار معين بتخذه شخص معين.

* تقصد أنك تتحدث عن إدارة أميركية وليس عن رئيس أسود؟

– صحيح الإدارة ليست شخصاً، هناك شخصيات سياسيات وعقول تتحكم وتتخذ القرارات.

* ما رأيك أن نأخذ هذا الكلام على محمل الجد ولو بنسبة واحد على مليون، ونفكر بأن القرار الأميركي فيه الكثير من التهور لأنه لم يحسب حساباً للجنون العربي، إذا ما قررت سوريا وإيران وحزب الله أن يسددوا ضربات مدمرة لإسرائيل؟

– على كل حال أميركا والإدرارت الأميركية، همها الأول والأوحد والأساسي، حماية اسرائيل والحفاظ عليها، أميركا لو لديها شك 1% بأن الخطوة ستؤثر على اسرائيل لن تقوم بها.

* أخترم هذا الكلام، لكن إذا دخلنا في نظرة "مقلوية" وفكرنا بأن ما يحدث الآن في المنطقة العربية وما يسمى بالربيع العربي، يشبه كثيراً ما بدأ في العام 1789 في فرنسا وأوروبا (الثورة البرجوازية) التي انتصرت ودمرت سلطة الكنيسة، هل ما يحدث الآن يهدف إلى القضاء على سلطة الجامع وسلطة الحاخام، لذا لا يهم أميركا أن تختفي قوى اسرائيلية محكومة بعقل ديني، هل أفكر صحيحاً حين أقول أن شبحاً يختبئ خلفنا؟

– اذا كان هذا صحيحاً لماذا اذاً كان الدعم للقوى الإسلامية التي شكلت الربيع العربي.

* وهل الأخوان مع المشروع الصهيوني؟

– من يمسك بزمام السلطة دائماً يصبح (براغماتي)، (متحولاً) يصبح قادراً على التكيف وعلى التأقلم مع مصالحه، ومع عقد الإتفاقات، حتى لو كان لديه عقيدة معينة، ومن يصل فجأة إلى السلطة يصبح (براغماتي) هذا ما ألاحظه وهذا ما بت مقتنعاً به.

* إن كنت تقصد أن ما يحدث من جحيم عربي فهو لحماية إسرائيل فإني على قناعة بأن إسرائيل لم تكن بخطر مع الأنظمة السابقة.

– صحيح، هم اعتمدوا نظرية الفوضى الخلاقة ليتم اشغال العالم العربي بنفسه. لا أستطيع بالتحديد أن أفهم المنطق الأميركي، عندما كانت كوناليزا رايس تتكلم عن شرق أوسط جديد، كانت على علم بأن نظرية الفوضى تهدف إلى إنهاك وإضعاف الأنظمة العربية، والفكر والعقل العربي، والقدرات العسكرية العربية، وأي مباردارت أو حماس عربي تجاه أي أمر من الأمور التي لها علاقة بالمنطقة وإنهاكه أيضاً اقتصادياً. فعندما نرى استيلاء وسيطرة للنفط في العراق من قبل شركات أميركية واوروبية، ومن ثم ليبيا، من هنا نتأكد أيضاً أن هناك أهدافاً اقتصادية من الحرب إلى جانب الأهداف السياسية والعسكرية، ومنها تدمير البنى التحتية والإستيلاء على الثروات العربية من نفط وغاز وتشغيل الشركات الأجنبية في مشاريع الإستشثمارات.

* هل تقصد إعادة أو دعم أوروبا العجوز؟

– طبعاً أكيد، واستمرار السيطرة الإقتصادية للولايات المتحدة من خلال سيطرتها على ثروات جديدة ومقدرات اقتصادية جديدة.

* لكي تستطيع أن تقف بوجه الصين مثلاً واليابان

– صحيح

* ألاحظ حركة الناس عبر الـ Facebook والـ Twitter ورغم أنها تكون معظم الأحيان حركة غبية، لكن مجموعات تطالب باسترجاع الكنائس في تركيا، وأنت تدرك أن الكنائس في تركيا تحولت إلى جوامع، أو متاحف، أو أمكنة سياحية؟ وأنت تعلم أنه تم الحديث بشكل سري عن الجامع الأموي الذي كان في الأساس كنيسة في دمشق؟

– أنا مع الإحترام الشديد لكل المعتقدات والأديان والأماكن المقدسة والعبادة أكيد أنا لست مع أن يتحول مكان للعبادة إلى متحف أو مكان سايحي.

 * ولكن هذا ما فعله العثمانيون.

هذا مكان للعبادة وأنا لست مع أن يتحول إلى معلم سياحي فلنحافظ على أدياننا ومعتقداتنا ولكن بالمقابل إذا بعد 300 أو 400 سنة فتشنا مجدداً عن الماضي فماذا سيفيدنا. فهل ستكون النتيحة في صالحنا؟

* تجيبني عن سؤالي كمسيحي بنصيحة، أنا أريد تحليلاً لما يحدث عبر مواقع التواصل الإجتماعي

– تحليلي أن مواقع التواصل الإجتماعي أصبحت عضب الناس وثورتهم ومشاعرهم المتأججة، وأصبحت متنفساً للكثير من الناس

* لكن هذا المتنفس يؤشر؟

– نعم مؤشر للغضب ولكمية الطائفية التي أصبحت موجودة عند الناس وعدم تقبل الآخر والتفتيش عن الماضي والملفات القديمة.. للأسف نعيش عصراً من الجنون، عصراً من فقدان كل الضوابط، وكل هذا بسبب التكنولوجيا. انعدمت الخطوط الحمر وأصبح العالم قرية كونية واحدة.

نضال الأحمدية

Copy URL to clipboard

شارك الموضوع

Copy URL to clipboard

ابلغ عن خطأ

لقد تم إرسال رسالتك بنجاح

نسخ إلى الحافظة

أدخل رقم الهاتف أو بريدك الإلكتروني للإطلاع على آخر الأخبار