شاكر خزعل

تعتبر الأعمال التي تؤثر بشكل كبير في الفن هي تلك التي تربط بين الناس على المستوى الشخصي، فيمكن من خلال التعبير الفني مع قوة المجتمع أو السياسة نتوحد من خلال صدى الأفكار والمشاعر في مجتمعنا.

بسبب هذا الصدى فإن السياسة والفن كثيراً ما يتداخلان ويملكان القدرة على تحريض أو إخماد أعمال الشغب.

طرح الكاتب الفلسطيني الكندي شاكر خزعل مثالاً في مقاله عن فن الكوميديا الذي يعود تاريخه إلى المسرح اليوناني القديم والذي جمعنا على أقوى رد فعل للإنسان الأكثر فطرية مثل: الضحك. من ناحية أخرى، لاحظ السيد روبرت بروفين أستاذ علم النفس في جامعة ماريلاند أنّ الضحك في كثير من الأحيان لا يكون على الأشياء المضحكة فقط، وإنما يكون أيضاً عن مدى قبولنا أو رفضنا لشخص ما أو فكرة ما.

أمل عرفة

في رحلات جاليفر الكلاسيكي للأدب الإنجليزي، يستخدم الكاتب ورجل الدين جوناثان سويفت الهجاء لإلهام المجتمع من أجل تحدي السياسين والأكاديميين في القرن الثامن عشر. أصبحت هذه الراوية لها شعبية كبيرة بسبب قدرتها على تحديد القراء الذين رأوا جزءاً من أنفسهم في تصوير سويفت التهكمي للمجتمع.

يستمر فن الكوميديا لليوم من أجل توفير وسيلة فريدة من نوعها للفنانين للتعبير عن انعكاس صادق لمشاكل المجتمع.

خلال شهر رمضان الماضي، أنتج العرب عدداً كبيراً من البرامج التلفزيونية التي توظف الكوميديا والدراما للترفية عن العائلات التي تصوم طوال اليوم، وهذه البرامج غالباً ما تعكس الأحداث الجارية والوقائع التي تواجه جمهورها المستهدف.

هذا العام، اكتشفت واحدة من هذه الكوميديا التي اعتقد أنها قدّمت رسالة هامة للشعب العربي، وأجرؤ على القول للعالم كله بأنه لا يوجد مكان بحاجة للضحك الآن أكثر من سوريا. الإعلام الغربي يصور هذا البلد العرب بأنه يعاني من الحروب الأهلية الدائرة التي أودت بحياة أكثر من 200 ألف شخص في ما يقرب 4 سنوات.

أمل عرفة (1)

على سبيل المثال، مسلسل (دنيا) 2015 الذي رسم صورة أكثر دقة للشعب السوري وهو للكاتبة والممثلة أمل عرفة التي ظهرت كخادمة تعمل في منازل مختلفة.

المسلسل يوفر نظرة نادرة للمواطن السوري الذي يعاني من الصراعات والسيطرة.

من ناحية أخرى، أكّد خزعل في مقاله الذي كتبه على صفحات موقع (The WorldPost) أنه أُتيحت له الفرصة لمقابة عرفة التي تحدثت معه عن السبب الرئيسي وراء تناولها محنة السوريين اليوم.

قالت أمل: “الناس تتواصل مع دنيا لأنها تمثل واقع الكثيرين الذين يشاهدون انهيار بلدهم، دنيا تقرر أنّ تبقى في بلدها التي مزقتها الحروب كمقاومة مثل أغلب الشعب السوري”.

أمل عرفة

أضافت أمل: “الحياة اليومية للشخصيات تتعلق بهؤلاء الذين مازالوا يعيشون في سوريا، كما أعرض أيضاً جانب من البلد التي تجاهلتها وكالات الأنباء منذ بدء الصراع المدني منذ 4 سنوات. صحيح أنّ بعض المناطق قد دمرتها المعارك بين نظام الرئيس بشار الأسد وأولئك الذين يرغبون بالإطاحة به، ولكن ظلت مناطق أخرى آمنة نسبياً مثل مدينة دمشق حيث تم تصوير المسلسل هناك”.

أكّدت أمل خلال حوارها مع خزعل أنها أصرت التصوير في سوريا لتظهر للعالم أنّ بلادها أكبر بكثير من مجرد ساحة معركة، وتابعت: “رغبت أنّ أظهر للناس أننا لا نزال نحتفل بأعياد الميلاد، الزواج ونستمر في العيش كأناس طبيعين نسبياً. في دمشق لم يتغير شيء بإستثناء نقاط التفتيش المسلحة بشكل كامل، ورغم أنّ صوت نيران المدفعية تأتي من بعيد إلا أنّ الأسواق لا تزال تعج بالمحلات والأعمال التجارية قيد التشغيل والجميع يعملون حول أنشطتهم اليومية”.

تابعت: “أننا نتكيف مع الحالة التي وجدنا أنفسنا فيها منذ بدء القتال كان لدينا القليل من الكهرباء، أقل قدرة على الوصول إلى المياه. نحن مصممون على العيش ونرى اليوم أنّ حياتنا خالية من أغلال الحرب، مثلا أثناء التصوير سقطت علينا قنابل إلا أنّ الله حمانا ومازلنا على قيد الحياة”.

بالفيديو: عقدة أمل عرفة من شكران مرتجى

واصلت أمل حديثها قائلة: “المسلسل يستخدم الفكاهة لمواحهة العديد من القضايا التي يواجهها الشعب السوري اليوم، (دنيا) أوصلت الجرح من خلال دمشق بعد أنّ أجبروا أهلها على الخروج من قريتهم من قبل مجموعة من المسلحين، فالعمل يعرض الواقع المؤلم الذي يشعر به شعب سوريا منذ بدء الحرب الأهلية في عام 2011. آمل أنّ المسلحين يتركون بلدنا بحيث يمكن للناس أنّ يعودوا إلى ديارهم”.

كما تحدثت عرفة أنّ تحدي الشخصيات من قبل ارتفاع أسعار السلع الأساسية مثل الغذاء والوقود، وهو ما يعكس تدهور الليرة السورية منذ بدء الصراع.

أكّدت عرفة أنها قدمت بطلة العمل بشخصية بسيطة وصادقة تحب بلدها أكثر من أي شيء آخر، وتكره الحرب التي تمزق سوريا، كما تقدم رسالة قوية للعالم عن المتضررين من العداء المدني.

أوضحت أمل أنها لا تدعم جميع الأشخاص من سوريا سواء كانوا مع أو ضد نظام الأسد، حيث أنها ترى أنّ النفوذ الأجنبي هو في المقام الأول سبب الحرب، مشيرةً إلى أنها ستكون بمثابة رمز للمساعدة في تحقيق شعبها.

أمل عرفة

تابعت أمل: “دنيا 2015 هو الفن، والفن دائماً لديه رسالة إنسانية أردت أنّ أجعلها تعطي طاقة إيجابية والتأكيد على أهمية الوحدة بدلاً من الانقسام. إن سبب الحرب هو التطرف من كلا الجانبين، والتطرف هو ما يتم تمويله من قبل المهتمين في بدء الحرب إلى تحقيق مصالحها الخاصة”.

ألقت وسائل الإعلام عادة اللوم على نظام الأسد بشأن الأزمة السورية بسبب النظام القمعي المستبد الذي يتعامل به دون أي اعتبار لحقوق الإنسان الأساسية. عرفة رفضت هذا المفهوم وتناولت سلسلة شكل الحياة في سوريا قبل العداء عندما كان السكان يملكون منازلهم ويعيشون بها ويحصلون على الفوائد الاجتماعية، الطبية والتعليمية، في حين نجد أنّ الحلقات قد لمست حياة بعض الناس بشكل أعمق.

تابعت: “تلقيت رسائل من جميع أنجاء العالم تخبرني كم تمتعت بالعر، لكن أقوى ردود ومتابعة جاءت من السوريين”.

أمل عرفة

في الحلقة الأخيرة من المسلسل، أُجبرت دنيا على الاختيار بين البقاء في البلد أو الفرار إلى الخارج، ولكن في نهاية المطاف توافق على السفرعلى متن الحافلة التي ستأخذها إلى أوروبا وتحديداً السويد، ثم طرح الكاتب سؤالاً حول إذا كانت السويد تمنح الإقامة الدائمة للاجئين السوريين.

وفي اللحظات الأخيرة من العمل، نرى الشخصيات على متن القارب الذي سيفصل بينهم وبين وطنهم وبينما يترك القارب رصيف الميناء تدرك دنيا أنها تحب بلدها كثيراً ولا تستطيع التخلي عنها في هذا الوقت وقفزت فجأة في الماء، تلك النهاية وصفها شاكر بأنها مثيرة وجيدة مقارنة بشخصية دنيا المخلصة والمثابرة.

أمل مثل دنيا تحب بلدها سوريا كثيراً لدرجة أنها غير قادرة على تركها، حيث قالت: “أحاول أن ألهم الشعب السوري على التمسك بأمل أنّ الصراع سيحل قريباً وسيتم السلام ويسمح لهم بالعودة إلى الحياة دون حرب. مازلت أسيطر على هذا الأمل وأتخيل سوريا كما كانت قبل عام 2011 مع غرفة للإصلاح ولكن بطريقة أكصر تحضراً.

أمل-عرفة

بمزيد من الألم والحسرة، أضافت عرفة: “آمل بما في ذلك (الكونجرس الأمريكي) الدولي أنّ يوقف عد اللاجئين ويصبح أكثر نشاطاً من خلال فتح حوار بين كل أولئك وهؤلاء ضد نظام الأسد للتواصل إلى الحل وحرب الأعمال التجارية. السلام هو عملية تبدأ إلا عندما تأتي جميع السوريين إلى طاولة واحدة للحوار وأنا من المؤيدين للحكومة وليس النظام وأنا من مؤيدي شعبي أياً كان موقفهم السياسي وهذا هو المعنى الحقيقي للديمقراطية”.

كما تابعت: “يؤلمني أنّ لي ابنتان ستكبران وهما تشاهدان بلدهما تنهار تحت وطأة الحرب، أنا قلقة حولهما ولكن يجب أنّ أكون متفائلة أنّ في يوم من الأيام ستكون سوريا مثل ما كانت عليه قبل النزاع أو أفضل منه”.

أمل عرفة (3)

“دعتني عرفة للانضمام إليها لتناول العشاء في دمشق في المرة القادمة وكنا جميعاً سعداء للقبول كلاجيء فلسطيني المولد وكواحدة من سوريا التي من البلدان القليلة جداً في العالم التي سمحت لي زيارتها والعيش هناك دون تأشيرة، رغم أنّ المكان يختلف كثيراً عن سوريا اليوم، وهذا هو السبب الذي يجعلني أتألم أنّ أرى بلد السلام قد كُسر إرباً”، وذلك حسب ما قاله الكاتب شاكر خزعل.

ختمت أمل كلامها قائلة: “أمنيتي أنّ دنيا 2020 يتم تصويره في جميع أنحاء مختلفة من سوريا، أتمنى أنّ تكون دنيا قادرة على العودة إلى ديارها والعيش بحرية من ظلم الحرب”.

Copy URL to clipboard

شارك الموضوع

Copy URL to clipboard

ابلغ عن خطأ

لقد تم إرسال رسالتك بنجاح

نسخ إلى الحافظة

أدخل رقم الهاتف أو بريدك الإلكتروني للإطلاع على آخر الأخبار